﴿ وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَآ ﴾ [الأحزاب : ١٤] بإجابتها ﴿ إِلا يَسِيرًا ﴾ [الأحزاب : ١٤] ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف، أو ما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيراً فإن الله يهلكهم، والمعنى أنهم يتعللون بإعوار بيوتهم ليفروا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين وعن مصافة الأحزاب الذين ملئوهم هولاً ورعباً، وهؤلاء الأحزاب كما هم لو كبسوا عليهم أرضهم وديارهم وعرض عليهم الكفر، وقيل لهم كونوا على المسلمين لسارعوا إليه وما تعللوا بشيء وما ذلك إلا لمقتهم الإسلام وحبهم الكفر.
﴿ وَلَقَدْ كَانُوا عَـاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ ﴾ [الأحزاب : ١٥] أي بنو حارثة من قبل الخندق أو من قبل نظرهم إلى الإحزاب ﴿ لا يُوَلُّونَ الادْبَـارَ ﴾ [الأحزاب : ١٥] منهزمين ﴿ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْـاُولا ﴾ [الأحزاب : ١٥] مطلوباً مقتضى حتى يوفى به.
﴿ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا ﴾ [الأحزاب : ١٦] أي إن كان حضر أجلكم لم ينفعكم الفرار، وإن لم يحضر وفررتم لم تمتعوا في الدنيا إلا قليلاً وهو مدة أعماركم وذلك قليل.
وعن بعض المروانية أنه مر بحائط مائل فأسرع فتليت له هذه الآية فقال : ذلك القليل نطلب.
﴿ قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب : ١٧] أي مما أراد الله إنزاله بكم ﴿ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُواءًا ﴾ [الأحزاب : ١٧] في أنفسكم من قتل أو غيره ﴿ أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ﴾ [الأحزاب : ١٧] أي إطالة عمر في عافية وسلامة أي من يمنع الله من أن يرحمكم إن أراد بكم رحمة لما في العصمة من معنى المنع ﴿ وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ﴾ [النساء : ١٧٣] ناصراً ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ ﴾ [الأحزاب : ١٨] أي من يعوق عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي يمنع وهم المنافقون ﴿ وَالْقَآ ـاِلِينَ لاخْوَانِهِمْ ﴾ [الأحزاب : ١٨] في الظاهر من المسلمين
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠
﴿ هَلُمَّ إِلَيْنَا ﴾ [الأحزاب : ١٨] أي
٤٣٤
قربوا أنفسكم إلينا ودعوا محمداً وهي لغة أهل الحجاز فإنهم يسوون فيه بين الواحد والجماعة، وأما تميم فيقولون " هلم يا رجل " و " هلموا يا رجال " وهو صوت سمي به فعل متعد نحو " أحضر وقرّب " ﴿ وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ ﴾ [الأحزاب : ١٨] أي الحرب ﴿ إِلا قَلِيلا ﴾ [النساء : ٤٦] إلا إتياناً قليلاً أي يحضرون ساعة رياء ويقفون قليلاً مقدار ما يرى شهودهم ثم ينصرفون ﴿ أَشِحَّةً ﴾ جمع شحيح وهو البخيل نصب على الحال من الضمير في ﴿ يَأْتُونَ ﴾ أي يأتون الحرب بخلاء ﴿ عَلَيْكُمْ ﴾ بالظفر والغنيمة ﴿ فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ ﴾ [الأحزاب : ١٩] من قبل العدو أو منه عليه السلام ﴿ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ ﴾ [الأحزاب : ١٩] في تلك الحالة ﴿ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ ﴾ [الأحزاب : ١٩] يميناً وشمالاً ﴿ كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ [الأحزاب : ١٩] كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذراً وخوفاً ولواذاً بك.
﴿ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ ﴾ [الأحزاب : ١٩] زال ذلك الخوف وأمنوا وحيزت الغنائم ﴿ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ﴾ [الأحزاب : ١٩] خاطبوكم مخاطبة شديدة وآذوكم بالكلام.
خطيب مسلق فصيح ورجل مسلاق مبالغ في الكلام أي يقولون : وفّروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم ﴿ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾ [الأحزاب : ١٩] أي خاطبوكم أشحة على المال والغنيمة و ﴿ أَشِحَّةً ﴾ حال من فاعل ﴿ سَلَقُوكُم ﴾ ﴿ أوالَـائكَ لَمْ يُؤْمِنُوا ﴾ [الأحزاب : ١٩] في الحقيقة بل بالألسنة ﴿ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ [الأحزاب : ١٩] أبطل بإضمارهم الكفر ما أظهروه من الأعمال ﴿ وَكَانَ ذَالِكَ ﴾ [النساء : ٣٠] إحباط أعمالهم ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء : ٣٠] هيناً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠
﴿ يَحْسَبُونَ الاحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ﴾ [الأحزاب : ٢٠] أي لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا ولم ينصرفوا مع أنهم قد انصرفوا ﴿ وَإِن يَأْتِ الاحْزَابُ ﴾ [الأحزاب : ٢٠] كرة ثانية ﴿ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِى الاعْرَابِ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٥