الأحزاب : ٢٠] البادون جمع البادي أي يتمنى المنافقون لجبنهم أنهم خارجون من المدينة إلى البادية حاصلون بين الأعراب ليأمنوا على أنفسهم ويعتزلوا مما فيه الخوف من القتال ﴿ يُسْـاَلُونَ ﴾ كل قادم منهم من جانب المدينة ﴿ عَنْ أَنابَآ ـاِكُمْ ﴾ [الأحزاب : ٢٠]
٤٣٥
عن أخباركم وعما جرى عليكم ﴿ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم ﴾ [الأحزاب : ٢٠] ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال ﴿ مَّا قَـاتَلُوا إِلا قَلِيلا ﴾ [الأحزاب : ٢٠] رياء وسمعة.
﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب : ٢١] بالضم حيث كان : عاصم أي قدوة وهو المؤتسى به أي المقتدى به كما تقول " في البيضة عشرون مناً حديداً " أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد.
أو فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها حيث قاتل بنفسه ﴿ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ ﴾ أي يخاف الله ويخاف اليوم الآخر أو يأمل ثواب الله ونعيم اليوم الآخر.
قالوا ﴿ لِمَنْ ﴾ بدل من ﴿ لَكُمْ ﴾ وفيه ضعف لأنه لا يجوز البدل من ضمير المخاطب.
وقيل :﴿ لِمَنْ ﴾ يتعلق بـ ﴿ حَسَنَةٌ ﴾ أي أسوة حسنة كائنة لمن كان ﴿ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب : ٢١] أي في الخوف والرجاء والشدة والرخاء ﴿ وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الاحْزَابَ ﴾ [الأحزاب : ٢٢] وعدهم الله أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه بقوله ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ﴾ [البقرة : ٢١٤] إلى قوله ﴿ قَرِيبٌ ﴾ (البقرة : ٤١٢) فلما جاء الأحزاب واضطربوا ورعبوا الرعب الشديد ﴿ قَالُوا هَـاذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ [الأحزاب : ٢٢] وعلموا أن الغلبة والنصرة قد وجبت لهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لأصحابه : إن الأحزاب سائرون إليكم في آخر تسع ليال أو عشر.
فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك، وهذا إشارة إلى الخطب والبلاء ﴿ وَمَا زَادَهُمْ ﴾ [الأحزاب : ٢٢] ما رأوا من اجتماع الأحزاب عليهم ومجيئهم ﴿ إِلا إِيمَانًا ﴾ [الأحزاب : ٢٢] بالله وبمواعيده ﴿ وَتَسْلِيمًا ﴾ لقضائه وقدره.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٥
﴿ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب : ٢٣] أي فيما عاهدوه عليه
٤٣٦
فحذف الجار كما في المثل " صدقني سن بكره " أي صدقني في سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل.
نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حرباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة وسعد بن زيد وحمزة ومصعب وغيرهم ﴿ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ﴾ [الأحزاب : ٢٣] أي مات شهيداً كحمزة ومصعب.
وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأن كل حي من المحدثات لا بد له أن يموت فكأنه نذر لازم في رقبته فإذا مات فقد قضى نحبه أي نذره ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ﴾ [الأحزاب : ٢٣] الموت أي على الشهادة كعثمان وطلحة ﴿ وَمَا بَدَّلُوا ﴾ [الأحزاب : ٢٣] العهد ﴿ تَبْدِيلا ﴾ ولا غيروه لا المستشهد ولا من ينتظر الشهادة، وفيه تعريض لمن بدلوا من أهل النفاق ومرضى القلوب كما مر في قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَانُوا عَـاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الادْبَـارَ ﴾ [الأحزاب : ١٥] ﴿ لِّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّـادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴾ [الأحزاب : ٢٤] بوفائهم بالعهد ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَـافِقِينَ إِن شَآءَ ﴾ [الأحزاب : ٢٤] إذا لم يتوبوا ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأحزاب : ٢٤] إن تابوا ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا ﴾ [النساء : ٢٣] بقبول التوبة ﴿ رَّحِيمًا ﴾ بعفو الحوبة.
جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم، لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا في طلبها والسعي في تحصيلها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٥