جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٠
كتم رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئاً مما أوحي إليه لكتم هذه الآية.
﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا ﴾ [الأحزاب : ٣٧] الوطر الحاجة فإذا بلغ البالغ حاجته من شيء له فيه همة.
قيل : قضى منه وطره، والمعنى فلما لم يبق لزيد فيها حاجة وتقاصرت عنها همته وطلقها وانقضت عدتها ﴿ زَوَّجْنَـاكَهَا ﴾.
روي أنها لما اعتدت قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لزيد : ما أجد أحداً أوثق في نفسي منك : أخطب عليّ زينب.
قال زيد : فانطلقت وقلت : يا زينب أبشري إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخطبك ففرحت وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار ﴿ لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآ ـاِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ﴾ [الأحزاب : ٣٧] قيل : قضاء الوطر إدراك الحاجة وبلوغ المراد منه ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب : ٣٨] الذي يريد أن يكونه ﴿ مَفْعُولا ﴾ مكوناً لا محالة وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلّم زينب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٠
﴿ مَّا كَانَ عَلَى النَّبِىِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ﴾ [الأحزاب : ٣٨] أحل له وأمر له وهو نكاح زينب امرأة زيد أو قدر له من عدد النساء ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ ﴾ [غافر : ٨٥] اسم موضع موضع المصدر كقولهم " تراباً وجندلاً " مؤكد لقوله ﴿ مَّا كَانَ عَلَى النَّبِىِّ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الأحزاب : ٣٨] كأنه قيل : سن الله ذلك سنة في الأنبياء الماضين وهو أن لا يحرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره، وقد كانت تحتهم المهائر والسراري وكانت لداود مائة امرأة وثلثمائة سرية ولسليمان ثلثمائة حرة وسبعمائة سرية ﴿ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ﴾ [الأحزاب : ٣٨] في الأنبياء الذين مضوا من قبل
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴾ [الأحزاب : ٣٨] قضاء مقضياً وحكماً مبتوتاً، ولا وقف عليه إن جعلت ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَـالَـاتِ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب : ٣٩] بدلاً من ﴿ الَّذِينَ ﴾ الأول، وقف إن جعلته في
٤٤٤
محل الرفع أو النصب على المدح أي هم الذين يبلغون أو أعني الذي يبلغون ﴿ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ ﴾ [الأحزاب : ٣٩] وصف الأنبياء بأنهم لا يخشون إلا اللّه تعريض بعد التصريح في قوله ﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـاـاهُ ﴾ [الأحزاب : ٣٧] ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء : ٦] كافياً للمخاوف ومحاسباً على الصغيرة والكبيرة فكان جديراً بأن تخشى منه.
﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ ﴾ [الأحزاب : ٤٠] أي لم يكن أبا رجل منكم حقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح، والمراد من رجالكم البالغين، والحسن والحسين لم يكونا بالغين حينئذ والطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم توفوا صبياناً ﴿ وَلَـاكِنِ ﴾ كان ﴿ رَسُولِ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب : ٢١] وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء، وزيد واحد من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة فكان حكمه كحكمكم والتبني من باب الاختصاص والتقريب لا غير.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٤