﴿ وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ ﴾ [الأحزاب : ٤٠] بفتح التاء عاصم بمعنى الطابع أي آخرهم يعني لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبي قبله، وحين ينزل ينزل عاملاً على شريعة محمد صلى الله عليه وسلّم كأنه بعض أمته.
وغيره بكسر التاء بمعنى الطابع وفاعل الختم.
وتقوّيه قراءة ابن مسعود ﴿ وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ ﴾ ﴿ كَثِيرًا ﴾ أثنوا عليه بضروب الثناء وأكثروا ذلك ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً ﴾ [الأحزاب : ٤٢] أول النهار ﴿ وَأَصِيلا ﴾ آخر النهار، وخصا بالذكر لأن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون فيهما.
وعن قتادة : قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والفعلان أي اذكروا الله وسبحوه موجهان إلى البكرة والأصيل كقولك " صم وصل يوم الجمعة ".
والتسبيح من جملة الذكر، وإنما اختص من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة إبانة لفضله على سائر الأذكار، لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات.
وجاز أن يراد بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والعبادات فإنها من جملة الذكر، ثم خص
٤٤٥
من ذلك التسبيح بكرة وهي صلاة الفجر وأصيلاً وهي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أو صلاة الفجر والعشاءين.
﴿ هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَـائكَتُهُ ﴾ [الأحزاب : ٤٣] لما كان من شأن المصلي أن ينعطف في ركوعه وسجوده استعير لمن ينعطف على غيره حنواً عليه وترؤفاً كعائد المريض في انعطافه عليه والمرأة في حنوها على ولدها، ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم " صلى الله عليك " أي ترحم عليك وترأف.
والمراد بصلاة الملائكة قولهم " اللهم صل على المؤمنين " جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة، والمعنى هو الذي يترحم عليكم ويترأف حين يدعوكم إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة ﴿ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [الأحزاب : ٤٣] من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب : ٤٣] هو دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة.
وروي أنه لما نزل ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ ﴾ [الأحزاب : ٥٦] قال أبو بكر : ما خصك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فنزلت ﴿ تَحِيَّتُهُمْ ﴾ من إضافة المصدر إلى المفعول أي تحية الله لهم ﴿ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾ [التوبة : ٧٧] يرونه ﴿ سَلَـامٌ ﴾ يقول الله تبارك وتعالى السلام عليكم ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب : ٤٤] يعني الجنة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿ يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ شَـاهِدًا ﴾ [الأحزاب : ٤٥] على من بعثت إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم أي مقبولاً قولك عند الله لهم وعليهم.
كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم، وهو حال مقدرة كما تقول " مررت برجل معه صقر صائداً به " إي مقدراً به الصيد غداً ﴿ وَمُبَشِّرَا ﴾ للمؤمنين بالجنة ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ للكافرين بالنار ﴿ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ﴾ [الأحزاب : ٤٦] بأمره أو بتيسيره والكل منصوب على الحال ﴿ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾ [الأحزاب : ٤٦] جلا به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل
٤٤٦