بالسراج المنير ويهتدي به.
والجمهور على أنه القرآن فيكون التقدير وذا سراج منير أو وتالياً سراجاً منيراً، ووصف بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته، أو شاهداً بواحدانيتنا ومبشراً برحمتنا ونذيراً بنقمتنا وداعياً إلى عبادتنا وسراجاً وحجة ظاهرة لحضرتنا ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب : ٤٧] ثواباً عظيماً ﴿ وَلا تُطِعِ الْكَـافِرِينَ وَالْمُنَـافِقِينَ ﴾ [الأحزاب : ١] المراد به التهييج أو الدوام والثبات على ما كان عليه ﴿ وَدَعْ أَذَاـاهُمْ ﴾ [الأحزاب : ٤٨] هو بمعنى الإيذاء فيحتمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي اجعل إيذاءهم إياك في جانب ولا تبال بهم ولا تخف عن إيذائهم، أو إلى المفعول أي دع إيذاءك إياهم مكافأة لهم ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الانفال : ٦١] فإنه يكفيكهم ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ﴾ [النساء : ٨١] وكفى به مفوضاً إليه.
وقيل : إن الله تعالى وصفه بخمسة أوصاف وقابل كلاً منها بخطاب مناسب له، قابل الشاهد ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة : ٢٢٣] لأنه يكون شاهداً على أمته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم وهو الفضل الكبير، والمبشر بالإعراض عن الكافرين والمناققين لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين وهو مناسب للبشارة، والنذير بـ ﴿ وَدَعْ أَذَاـاهُمْ ﴾ لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر والأذى لا بد له من عقاب عاجل أو آجل كانوا منذرين به في المستقبل، والداعي إلى الله بتيسيره بقوله ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الانفال : ٦١] فإن من توكل على الله يسر عليه كل عسير، والسراج المنير بالإكتفاء به وكيلاً لأن من أناره الله برهاناً على جميع خلقه كان جديراً بأن يكتفي به عن جميع خلقه.
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ ﴾ [الأحزاب : ٤٩] أي تزوجتتم.
والنكاح هو الوطء في الأصل وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له من حيث إنه طريق إليه كتسمية الخمر إثماً لأنه سببه، وكقول الراجز.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٤
أسنمة الآبال في سحابه سمي الماء
٤٤٧
بأسنمة الآبال لأنه سبب سمن الآبال وارتفاع أسنمتها.
ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به، ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان.
وفي تخصيص المؤمنات مع أن الكتابيات تساوي المؤمنات في هذا الحكم إشارة إلى ان الأولى بالمؤمن أن ينكح مؤمنة ﴿ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾ [الأحزاب : ٤٩] والخلوة الصحيحة كالمس ﴿ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ [الأحزاب : ٤٩] فيه دليل على أن العدة تجب على النساء للرجال.
ومعنى ﴿ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ تستوفون عددها تفتعلون من العد ﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ ﴾ والمتعة تجب للتي طلقها قبل الدخول بها ولم يسم لها مهر دون غيرها ﴿ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا ﴾ [الأحزاب : ٤٩] أي لا تمسكوهن ضراراً وأخرجوهن من منازلكم إذ لا عدة لكم عليهن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٤
﴿ يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّـاتِى ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] مهورهن إذ المهر أجر على البضع ولهذا قال الكرخي : إن النكاح بلفظ الإجارة جائز.
وقلنا : التأييد من شرط النكاح والتأقيت من شرط الإجارة وبينهما منافاة.
وإيتاؤها إعطاؤها عاجلاً أو فرضها وتسميتها في العقد
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٨
﴿ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] وهي صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما ﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَـالَـاـتِكَ الَّـاتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] ومع ليس للقران بل لوجودها فحسب كقوله ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَـانَ ﴾ [النمل : ٤٤] (النمل : ٤٤) وعن أم هانيء بنت أبي طالب : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاعتذرت فعذرني
٤٤٨


الصفحة التالية
Icon