فأنزل الله هذه الآية، فلم أحل له لأني لم أهاجر معه ﴿ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] وأحللنا لك من وقع لها أن تهب لك نفسها نولا تطلب مهراً من النساء المؤمنات إن اتفق ذلك ولذا نكرها.
قال ابن عباس : هو بيان حكم في المستقبل ولم يكن عنده أحد منهن بالهبة.
وقيل : الواهبة نفسها ميمونة بنت الحرث أو زينب بنت خزيمة أو أم شريك بنت جابر أو خولة بنت حكيم.
وقرأ الحسن " أن " بالفتح على التعليل بتقدير حذف اللام.
وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه بغير " إن " ﴿ إِنْ أَرَادَ النَّبِىُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا ﴾ [الأحزاب : ٥٠] استنكاحها طلب نكاحها والرغبة فيه.
وقيل : نكح واستنكح بمعنى، والشرط الثاني تقييد للشرط الأول شرط في الإحلال هبتها نفسها وفي الهبة إرادة استنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلّم كأنه قال : أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها لأن إرادته هي قبول الهبة وما به تتم، وفيه دليل جواز النكاح بلفظ الهبة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأمته سواء في الأحكام إلا فيما خصه الدليل ﴿ خَالِصَةٌ ﴾ بلا مهر حال من الضمير في ﴿ وَهَبَتْ ﴾ أو مصدر مؤكد أي خلص لك إحلال ما أحللنا لك خالصة بمعنى خلوصاً والفاعلة في المصادر غير عزيز كالعافية والكاذبة ﴿ لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] بل يجب المهر لغيرك وإن لم يسمه أو نفاه.
عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله ﴿ إِنْ أَرَادَ النَّبِىُّ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] ثم رجع إلى الخطاب ليؤذن أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوة وتكريره أي تكرير النبي تفخيم له.
﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوَاجِهِمْ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] أي ما أوجبنا من المهور على أمتك في زوجاتهم أو ما أوجبنا عليهم في أزواجهم من الحقوق ﴿ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] بالشراء وغيره من وجوه الملك.
وقوله ﴿ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] ضيق متصل بـ ﴿ خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ وقوله ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] جملة
٤٤٩
اعتراضية ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [النساء : ٩٦] بالتوسعة على عباده.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٨
﴿ تُرْجِى ﴾ بلا همز : مدني وحمزة وعلي وخلف وحفص، وبهمز غيرهم : تؤخر ﴿ مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـاْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ﴾ تضم بمعنى تترك مضاجعة من تشاء منهن وتضاجع من تشاء، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء، أو لا تقسم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت، أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك وتتزوّج من شئت، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض لأنه إما أن يطلق وإما أن يمسك، فإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أولم يقسم، وإذا طلق وعزل فإما أن يخلي المعزولة لا يبتغيها أو يبتغيها.
وروي أنه أرجى منهن جويرية وسودة وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء، وكانت ممن آوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، أرجى خمساً وآوى أربعاً، وروي أنه كان يسوي مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة فإنها وهبت ليلتها لعائشة وقالت : لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك ﴿ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ [الأحزاب : ٥١] أي ومن دعوت إلى فراشك وطلبت صحبتها ممن عزلت عن نفسك بالإرجاء فلا ضيق عليك في ذلك أي ليس إذا عزلتها لم يجز لك ردها إلى نفسك.
و " من " رفع بالابتداء وخبره ﴿ فَلا جُنَاحَ ﴾ [الأحزاب : ٥١] ﴿ ذَالِكَ ﴾ التفويض إلى مشيئتك ﴿ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ ﴾ أي أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعاً لأنهن إذا علمن أن هذا التفويض من عند الله اطمأنت نفوسهن وذهب التغاير وحصل الرضا وقرت العيون.
﴿ كُلُّهُنَّ ﴾ بالرفع تأكيد لنون وقرىء ﴿ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ﴾ على التقديم، وقرىء شاذاً " كلهن " بالنصب تأكيداً لهن في ﴿ ءَاتَيْتَهُنَّ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قُلُوبِكُمْ ﴾ [الأحزاب : ٥١] فيه وعيد لمن لم ترض
٤٥٠


الصفحة التالية
Icon