منهن بما دبر الله من ذلك وفوض إلى مشيئة رسوله ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ﴾ [النساء : ١٧] بذات الصدور ﴿ حَلِيمًا ﴾ لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقي ويحذر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٨
﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ ﴾ [الأحزاب : ٥٢] بالتاء : أبو عمرو ويعقوب، وغيرهما بالتذكير لأن تأنيث الجمع غير حقيقي وإذا جاز بغير فصل فمع الفصل أجوز ﴿ مِن بَعْدِ ﴾ [يونس : ٣] من بعد التسع لأن التسع نصاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمته ﴿ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ ﴾ [الأحزاب : ٥٢] الطلاق.
والمعنى أن تستبدل بهؤلاء التسع أزواجاً أخر بكلهن أو بعضهن كرامة لهن وجزاء على ما اخترن ورضين فقصر رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليهن وهن التسع التي مات عنهن : عائشة، حفصة، أم حبيبة، سودة أم سلمة، صفية، ميمونة، زينب بنت جحش، جويرية.
و " من " في ﴿ مِنْ أَزْوَاجٍ ﴾ [الأحزاب : ٥٢] التأكيد النفي وفائدته استغراق جنس الأزواج بالتحريم ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾ [الأحزاب : ٥٢] في موضع الحال من الفاعل وهو الضمير في ﴿ تُبَدَّلُ ﴾ أي تتبدل لا من المفعول الذي هو من أزواج لتوغله في التنكير، وتقديره مفروضاً إعجابك بهن.
وقيل : هي أسماء بنت عميس امرأة جعفر بن أبي طالب فإنها ممن أعجبه حسنهن.
وعن عائشة وأم سلمة : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما شاء يعني أن الآية نسخت، ونسخها إما بالسنة أو بقوله ﴿ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ﴾ [الأحزاب : ٥٠] وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف ﴿ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ [الأحزاب : ٥٢] استثنى ممن حرم عليه الإماء ومحل " ما " رفع بدل من ﴿ النِّسَآءِ ﴾ ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ رَّقِيبًا ﴾ [الأحزاب : ٥٢] حافظاً وهو تحذير عن مجاوزة حدوده.
٤٥١
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَـاظِرِينَ إِنَـاـاهُ ﴾ [الأحزاب : ٥٣] ﴿ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ [الأحزاب : ٥٣] في موضع الحال أي لا تدخلوا إلا مأذوناً لكم، أو في معنى الظرف تقديره إلا وقت أن يؤذن لكم، ﴿ غَيْرَ نَـاظِرِينَ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٨
الأحزاب : ٥٣] حال من ﴿ لا تَدْخُلُوا ﴾ [الأحزاب : ٥٣] وقع الاستثناء على الحال والوقت معاً كأنه قيل : لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين أي غير منتظرين.
وهؤلاء قوم كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه، ومعناه لا تدخلوا يا أيها المتحينون للطعام إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، وإنى الطعام إدراكه يقال إنىً الطعام أني كقولك قلاه قلي.
وقيل : إناه وقته أي غير ناظرين وقت الطعام وساعة أكله.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلّم أولم على زينب بتمر وسويق وشاة وأمر أنساً أن يدعو بالناس فترادفوا أفواجاً يأكل فوج ويخرج ثم يدخل فوج إلى أن قال يا رسول الله دعوت حتى ما أجد أحدر أدعوه فقال " ارفعوا طعامكم "، وتفرق الناس وبقيء ثلاثة نفر يتحدثون فأطالوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليخرجوا فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحجرات وسلم عليهن ودعون له ورجع، فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم شديد الحياء فتولى، فلما رأوه متولياً خرجوا فرجع ونزلت ﴿ وَلَـاكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا ﴾ [الأحزاب : ٥٣] فتفرقوا ﴿ وَلا مُسْتَـاْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ﴾ هو مجرور معطوف على ﴿ نَـاظِرِينَ ﴾ أو منصوب أي ولا تدخولها مستأنسين نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدث به ﴿ إِنَّ ذَالِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِ مِنكُمْ ﴾ من إخراجكم ﴿ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْىِ مِنَ الْحَقِّ ﴾ يعني أن إخراجكم حق ما ينبغي أن يستحيا منه.
ولما كان الحياء مما يمنع الحيّ من بعض الأفعال قيل لا يستحي من الحق أي لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحي منكم، هذا
٤٥٢


الصفحة التالية
Icon