أدبٌ أدّب اللّه به الثقلاء.
وعن عائشة رضي الله عنها : حسبك في الثقلاء أن الله تعالى لم يحتملهم وقال ﴿ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا ﴾ [الأحزاب : ٥٣].
﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ ﴾ [الأحزاب : ٥٣] الضمير لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلّم لدلالة بيوت النبي لأن فيها نساءه ﴿ مَّتَـاعًا ﴾ عارية أو حاجة المتاع ﴿ فَسْـاَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب : ٥٣] من خواطر الشيطان وعوارض الفتن، وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال وكان عمر رضي الله عنه يجب ضرب الحجاب عليهن ويود أن ينزل فيه وقال : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت.
وذكر أن بعضهم قال : أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد لأتزوّجن فلانة فنزل ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ﴾ [الأحزاب : ٥٣] أي وما صح لكم إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا نكاح أزواجه من بعد موته ﴿ إِنَّ ذَالِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب : ٥٣] أي ذنباً عظيماً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٨
﴿ إِن تُبْدُوا شيئا ﴾ [الأحزاب : ٥٤] من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلّم أو من نكاحهن ﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ [النساء : ١٤٩] في أنفسكم من ذلكم ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب : ٥٤] فيعاقبكم به.
ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب : يا رسول الله أو نحن أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فنزل ﴿ لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَآ ـاِهِنَّ وَلا أَبْنَآ ـاِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَآ ـاِهِنَّ وَلا ﴾ أي نساء المؤمنات ﴿ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ ﴾ [الأحزاب : ٥٥] أي لا إثم عليهن
٤٥٣
في ألا يحتجبن من هؤلاء ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين وقد جاءت تسمية العم أبا قال الله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٣
﴿ وَإِلَـاهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَاهِ مَ وَإِسْمَـاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ ﴾ (البقرة : ٣٣١).
وإسماعيل عم يعقوب، وعبيدهن عند الجمهور كالأجانب.
ثم نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب وفي هذا النقل فضل تشديد كأنه قيل ﴿ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ﴾ [الأحزاب : ٥٥] فيما أمرتن به من الاحتجاب وأنزل فيه الوحي من الاستتار واحتطن فيه ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدًا ﴾ [النساء : ٣٣] عالماً.
قال ابن عطاء : الشهيد الذي يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح.
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب : ٥٦] أي قولوا اللهم صل على محمد أو صلى الله على محمد ﴿ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب : ٥٦] أي قولوا اللهم سلم على محمد أو انقادوا لأمره وحكمه انقياداً.
وسئل عليه السلام عن هذه الآية فقال " إن الله وكل بي ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملكين آمين، ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملكين آمين " ثم هي واجبة مرة عند الطحاوي، وكلما ذكر اسمه عند الكرخي وهو الاحتياط وعليه الجمهور.
وإن صلى على غيره على سبيل التبع كقوله " صلى الله على النبي وآله " فلا كلام فيه، وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة فمكروه وهو من شعائر الروافض.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب : ٥٧] أي يؤذون رسول الله، وذكر اسم الله للتشريف أو عبر بإيذاء الله ورسوله عن فعل ما لا يرضى به الله ورسوله كالكفر وإنكار النبوة مجازاً، وإنما جعل مجازاً فيهما وحقيقة الإيذاء يتصور في رسول الله لئلا يجتمع المجاز والحقيقة في لفظ واحد ﴿ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ ﴾ [الأحزاب : ٥٧] طردهم الله
٤٥٤


الصفحة التالية
Icon