عن رحمته في الدارين ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴾ [الأحزاب : ٥٧] في الآخرة ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ﴾ [الأحزاب : ٥٨] أطلق إيذاء الله ورسوله وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن ذاك يكون غير حق أبداً، وأما هذا فمنه حق كالحد والتعزيز ومنه باطل.
قيل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون علياً رضي الله عنه ويسمونه.
وقيل : في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات.
وعن الفضيل : لا يحل لك أن تؤذي كلباً أو خنزيراً بغير حق فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات ﴿ فَقَدِ احْتَمَلُوا ﴾ [الأحزاب : ٥٨] تحملوا ﴿ بُهْتَـانًا ﴾ كذباً عظيماً ﴿ وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [النساء : ٢٠] ظاهراً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٣
﴿ مُّبِينًا * يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـابِيبِهِنَّ ﴾ الجلباب : ما يستر الكل مثل الملحفة عن المبرد.
ومعنى ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـابِيبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب : ٥٩] يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن.
يقال : إذا زلّ الثوب عن وجه المرأة أدني ثوبك على وجهك.
و " من " للتبعيض أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة، أو المراد أن يتجلبن ببعض مالهن من الجلابيب وأن لا تكون المرأة متبذلة في درع وخمار كالأمة ولها جلبابان فصاعداً في بيتها، وذلك أن النساء كنّ في أول الإسلام على هجّيراهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار لا فضل بين الحرة والأمة، وكان الفتيان يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرضوا للحرة لحسبان الأمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الملاحف وستر الرؤوس والوجوه فلا يطمع فيهن طامع وذلك قوله ﴿ ذَالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب : ٥٩] أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرض لهن ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ [النساء : ٩٦] لما سلف منهن من التفريط ﴿ رَّحِيمًا ﴾ بتعليمهن آداب المكارم ﴿ لَّـاـاِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَـافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ [الأحزاب : ٦٠] فجور، وهم الزناة من
٤٥٥
قوله ﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب : ٣٢] ﴿ وَالْمُرْجِفُونَ فِى الْمَدِينَةِ ﴾ [الأحزاب : ٦٠] هم أناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين.
يقال : أرجف بكذا إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبراً متزلزلاً غير ثابت من الرجفة وهي الزلزلة ﴿ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ﴾ [الأحزاب : ٦٠] لنأمرنك بقتالهم أو لنسلطنك عليهم ﴿ وَفَرَضْنَـاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ ﴾ في المدينة وهو عطف على ﴿ لَنُغْرِيَنَّكَ ﴾ لأنه يجوز أن يجاب به القسم لصحة قولك لئن لم ينتهوا لا يجاورونك.
ولما كان الجلاء عن الوطن أعظم من جميع ما أصيبوا به عطف بـ ﴿ ثُمَّ ﴾ لبعد حاله عن حال المعطوف عليه ﴿ إِلا قَلِيلا ﴾ [النساء : ٤٦] زماناً قليلاً.
والمعنى لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم، والفسقة عن فجورهم، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء، لنأمرنك بأن تفعل الأفعال التي تسوءهم، ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة وإلى أن لا يساكنوك فيها إلا زماناً قليلاً ريثما يرتحلون، فسمي ذلك إغراء وهو التحريش على سبيل المجاز.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٣