﴿ مَّلْعُونِينَ ﴾ نصب على الشتم أو الحال أي لا يجاورنك إلا ملعونين، فالاستثناء دخل على الظرف والحال معاً كما مر ولا ينتصب عن ﴿ أُخِذُوا ﴾ لأن ما بعد حروف الشرط لا يعمل فيما قبلها ﴿ أَيْنَمَا ثُقِفُوا ﴾ [الأحزاب : ٦١] وجدوا ﴿ أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا ﴾ [الأحزاب : ٦١] والتشديد يدل على التكثير ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ ﴾ [غافر : ٨٥] في موضع مصدر مؤكد أي سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا أينما وجدوا ﴿ فِى الَّذِينَ خَلَوْا ﴾ [الأحزاب : ٣٨] مضوا ﴿ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا ﴾ [الأحزاب : ٦٢] أي لا يبدل الله سنته بل يجريها مجرى واحداً في الأمم.
﴿ يَسْـاَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ﴾ [الأحزاب : ٦٣] كان المشركون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن وقت قيام الساعة استعجالاً على سبيل الهزء، واليهود يسألونه امتحاناً لأن الله تعالى عمى وقتها في التوراة وفي كل كتاب، فأمر رسوله بأن يجيبهم بأنه علم قد استأثر الله
٤٥٦
به، ثم بين لرسوله أنها قريبة الوقوع تهديداً للمستعجلين وإسكاناً للممتحنين بقوله ﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴾ [الأحزاب : ٦٣] شيئاً قريباً أو لأن الساعة في معنى الزمان ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَـافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴾ [الأحزاب : ٦٤] ناراً شديدة الاتقاد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٦
﴿ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ﴾ [الجن : ٢٣] هذا يرد مذهب الجهمية لأنهم يزعمون أن الجنة والنار تفنيان.
ولا وقف على ﴿ سَعِيرًا ﴾ لأن قوله ﴿ خَـالِدِينَ فِيهَآ ﴾ [الجن : ٢٣] حال عن الضمير في ﴿ لَهُمْ ﴾.
﴿ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ﴾ [الأحزاب : ٦٥] ناصراً يمنعهم.
اذكر ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ ﴾ [الأحزاب : ٦٦] تصرّف في الجهات كما ترى البضعة تدور في القدر إذا غلت، وخصصت الوجوه لأن الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده أو يكون الوجه عبارة عن الجملة ﴿ يَقُولُونَ ﴾ حال ﴿ يَـالَيْتَنَآ أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا ﴾ [الأحزاب : ٦٦] فنتخلص من هذا العذاب فتمنوا حين لا ينفعهم التمني ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا ﴾ [الأحزاب : ٦٧] جمع سيد.
شامي وسهل ويعقوب جمع الجمع، والمراد رؤساء الكفرة الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم ﴿ سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا ﴾ [الأحزاب : ٦٧] ذوي الأسنان منا أو علماءنا ﴿ فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ﴾ [الأحزاب : ٦٧] يقال : ضل السبيل وأضله إياه، وزيادة الألف لإطلاق الصوت جعلت فواصل الآي كقوافي الشعر، وفائدتها الوقف والدلالة على أن الكلام قد انقطع وأن ما بعده مستأنف ﴿ رَبَّنَآ ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [الأحزاب : ٦٨] للضلال والإضلال ﴿ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب : ٦٨] بالباء عاصم ليدل على أشد اللعن وأعظمه، وغيره بالثاء تكثيراً لأعداد اللعائن.
ونزل في شأن زيد وزينب وما سمع فيه من قاله بعض الناس
٤٥٧
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ﴾ [الأحزاب : ٦٩] " ما " مصدرية أو موصولة، وأيهما كان فالمراد البراءة عن مضمون القول ومؤاده وهو الأمر المعيب.
وأذى موسى عليه السلام هو حديث المومسة التي أرادها قارون على قذفه بنفسها أواتهامهم إياه بقتل هرون فأحياه الله تعالى فأخبرهم ببراءة موسى عليه السلام كما برأ نبينا عليه السلام بقوله :﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ ﴾ ﴿ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب : ٦٩] ذا جاه ومنزلة مستجاب الدعوة.
وقرأ ابن مسعود والأعمش ﴿ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٦


الصفحة التالية
Icon