﴿ مَسْكَنِهِمْ ﴾ ﴿ ءَايَةً ﴾ اسم كان ﴿ جَنَّتَانِ ﴾ بدل من ﴿ ءَايَةً ﴾ أو خبر مبتدأ محذوف تقديره الآية جنتان، ومعنى كونهما آية أن أهلها لما أعرضوا عن شكر الله سلبهم الله النعمة ليعتبروا ويتعظوا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط النعم، أو جعلهما آية أي علامة دالة على قدرة الله وإحسانه ووجوب شكره ﴿ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ﴾ [سبأ : ١٥] أراد جماعتين من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وأخرى عن شمالها، وكل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة كما تكون بساتين البلاد العامرة، أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٧
﴿ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾ [سبأ : ١٥] حكاية لما قال لهم أنبياء الله المبعوثون إليهم، أو لما قال لهم لسان الحال، أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك.
ولما أمرهم بذلك أتبعه قوله ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ : ١٥] أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة، وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور لمن شكره.
قال ابن عباس : كانت سبأ على ثلاث فراسخ من صنعاء وكانت أخصب البلاد، تخرج المرأة وعلى رأسها المكتل فتعمل بيدها وتسير بين تلك الشجر فيمتليء المكتل مما يتساقط فيه من الثمر وطيبها ليس فيها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية، ومن يمر بها من الغرباء يموت قمله لطيب هوائها.
﴿ فَأَعْرِضُوا ﴾ عن دعوة أنبيائهم فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله علينا نعمة ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾ [سبأ : ١٦] أي المطر الشديد أو العرم اسم الوادي أو هو الجرذ الذي نقب عليهم السّكر لما طغوا سلط الله عليهم الجرذ فنقبه من أسفل فغرقهم ﴿ وَبَدَّلْنَـاهُم ﴾ المذكورتين ﴿ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ﴾ [سبأ : ١٦] وتسمية البدل جنتين للمشاكلة وازدواج الكلام كقوله ﴿ وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [الشورى : ٤٠] (الشورى : ٠٤) ﴿ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾ [سبأ : ١٦] الأكل الثمر يثقل ويخفف وهو قراءة نافع ومكي، والخمط شجر الأراك، وقيل : كل شجر ذي شوك ﴿ وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ [سبأ : ١٦] الأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه وأجود
٤٦٨
عوداً، ووجه من نون الأكل ـ وهو غير أبي عمرو ـ أن أصله ذواتي أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل : ذواتي أكل بشع، ووجه أبي عمر أن أكل الخمط في معنى البرير وهو ثمر الأراك إذا كان غضاً فكأنه قيل ذواتي برير، والأثل والسدر معطوفان على ﴿ أَكَلَ ﴾ لا على ﴿ خَمْطٍ ﴾ لأن الأثل لا أكل له.
وعن الحسن : قلل السدر لأنه أكرم ما بدلوا لأنه يكون في الجنان ﴿ ذَالِكَ جَزَيْنَـاهُم بِمَا كَفَرُوا ﴾ [سبأ : ١٧] أي جزيناهم ذلك بكفرهم فهو مفعول ثان مقدم ﴿ وَهَلْ نُجَـازِى إِلا الْكَفُورَ ﴾ كوفي غير أبي بكر.
﴿ وَهَلْ نُجَـازِى إِلا الْكَفُورَ ﴾ غيرهم يعني وهل نجازي مثل هذا الجزاء إلا من كفر النعمة ولم يشكرها أو كفر بالله، أو هل يعاقب لأن الجزاء وإن كان عاماً يستعمل في معنى المعاقبة وفي معنى الإثابة لكن المراد الخاص وهو العقاب.
وعن الضحاك : كانوا في الفترة التي بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٧
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم ﴾ [الكهف : ٥٢] بين سبإٍ ﴿ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَـارَكْنَا فِيهَا ﴾ [سبأ : ١٨] بالتوسعة على أهلها في النعم والمياه وهي قرى الشام ﴿ قُرًى ظَـاهِرَةً ﴾ [سبأ : ١٨] متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها فهي ظاهرة لأعين الناظرين، أو ظاهرة للسابلة لم تبعد عن مسالكهم حتى تخفي عليهم وهي أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبإٍ إلى الشام ﴿ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ﴾ [سبأ : ١٨] أي جعلنا هذه القرى على مقدار معلوم يقيل المسافر في قرية ويروح في أخرى إلى أن يبلغ الشام ﴿ سِيرُوا فِيهَا ﴾ [سبأ : ١٨] وقلنا لهم سيروا ولا قول ثمة، ولكنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه فكأنهم أمروا بذلك ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ﴾ [سبأ : ١٨] أي سيروا فيها إن شئتم بالليل وإن شئتم بالنهار فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات أي سيروا فيها آمنين لا تخافون عدواً ولا جوعاً ولا عطشاً وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت أياماً وليالي


الصفحة التالية
Icon