٤٦٩
﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَـاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾ [سبأ : ١٩] قالوا يا ليتها كانت بعيدة فنسير على نجائبنا، ونربح في التجارات ونفاخر في الدواب والأسباب، بطروا النعمة وملوا العافية فطلبوا الكد والتعب، ﴿ بَعْدَ ﴾ مكي وأبو عمرو ﴿ وَظَلَمُوا ﴾ بما قالوا ﴿ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَـاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾ [سبأ : ١٩] يتحدث الناس بهم ويتعجبون من أحوالهم ﴿ وَمَزَّقْنَـاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾ [سبأ : ١٩] وفرقناهم تفريقاً اتخذه الناس مثلاً مضروباً يقولون " ذهبوا أيدي سبأ " و " تفرقوا أيادي سبأ " فلحق غسان بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ ﴾ [إبراهيم : ٥] عن المعاصي ﴿ شَكُورٍ ﴾ للنعم أو لكل مؤمن لأن الإيمان نصفان نصفه شكر ونصفه صبر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٧
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ [سبأ : ٢٠] بالتشديد : كوفي أي حقق عليهم ظنه أو وجده صادقاً، وبالتخفيف : غيرهم أي صدق في ظنه ﴿ فَاتَّبَعُوهُ ﴾ الضمير في ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ و ﴿ اتَّبَعُوهُ ﴾ لأهل سبإ أو لبني آدم.
وقلل المؤمنين بقوله ﴿ إِلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سبأ : ٢٠] لقلتهم بالإضافة إلى الكفار ﴿ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـاكِرِينَ ﴾ [الأعراف : ١٧] (الأعراف : ٧١) ﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم ﴾ [سبأ : ٢١] لإبليس على الذين صار ظنه فيهم صدقاً ﴿ مِنْ ﴾ من تسليط واستيلاء بالوسوسة ﴿ سُلْطَـانٍ إِلا لِنَعْلَمَ ﴾ [سبأ : ٢١] موجوداً ما علمناه معدوماً والتغير على المعلوم لا على العلم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٠
﴿ مَن يُؤْمِنُ بِالاخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سبأ : ٢١] محافظ عليه وفعيل ومفاعل متآخيان ﴿ قُلْ ﴾ لمشركي قومك ﴿ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ﴾ [سبأ : ٢٢] أي زعمتموهم آلهة من دون الله، فالمفعول الأول الضمير الراجع إلى الموصول وحذف كما حذف في قوله ﴿ أَهَـاذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا ﴾ [الفرقان : ٤١] (الفرقان : ١٤) استخفافاً لطول الموصول بصلته.
والمفعول الثاني آلهة وحذف لأنه موصوف صفته ﴿ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [يس : ٧٤] والموصوف يجوز
٤٧٠
حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوماً، فإذاً مفعولا زعم محذوفان بسببين مختلفين، والمعنى ادعوا الذين عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه والتجئوا إليهم فيما يعروكم كما تلتجؤن إليه وانتظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون استجابته، ثم أجاب عنهم بقوله ﴿ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [سبأ : ٢٢] من خير أو شر أو نفع أو ضر ﴿ فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الارْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ ﴾ [سبأ : ٢٢] وما لهم في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك ﴿ وَمَا لَهُ ﴾ [البقرة : ٢٠٠] تعالى ﴿ مِنْهُمْ ﴾ من آلهتهم ﴿ مِّن ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ : ٢٢] من عوين يعينه على تدبير خلقه يريد أنهم على هذه الصفة من العجز فكيف يصح أن يدعوا كما يدعي ويرجوا كما يرجى.
﴿ وَلا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ عِندَهُا إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ : ٢٣] أي أذن له الله يعني إلا من وقع الإذن للشفيع لأجله وهي اللام الثانية في قولك " أذن لزيد لعمرو " أي لأجله، وهذا تكذيب لقولهم ﴿ هؤلاء شُفَعَـاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ﴾ [يونس : ١٨]، ﴿ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ : ٢٣] كوفي غير عاصم إلا الأعشى ﴿ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ [سبأ : ٢٣] أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن و ﴿ فُزِّعَ ﴾ شامي أي الله تعالى، والتفزيع إزالة الفزع و ﴿ حَتَّى ﴾ غاية لما فهم من أن ثم انتظاراً للإذن وتوقفاً وفزعاً من الراجين للشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أو لا يؤذن لهم كأنه قيل : يتربصون ويتوقعون ملياً فزعين حتى إذا فزع عن قلوبهم ﴿ قَالُوا ﴾ سأل بعضهم بعضاً ﴿ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا ﴾ [سبأ : ٢٣] قال ﴿ الْحَقِّ ﴾ أي القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٠