﴿ وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ : ٢٣] ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه وان يشفع إلا لمن ارتضى ﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ قُلِ اللَّهُ ﴾ [سبأ : ٢٤] أمره بأن يقررهم بقوله ﴿ مَن يَرْزُقُكُم ﴾ [يونس : ٣١] ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله " يرزقكم الله " وذلك للإشعار بأنهم مقرون به بقلوبهم إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به لأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم فما لكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا
٤٧١
يقدر على الرزق، وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي إن لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه ﴿ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ ﴾ [سبأ : ٢٤] ومعناه وإن أحد الفريقين من الموحدين ومن المشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موالٍ أو منافٍ قال لمن خوطب به : قد أنصفك صاحبك.
وفي درجة بعد تقدم ما قدم من التقرير دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين ولكن التعرض أوصل بالمجادل إلى الغرض، ونحوه قولك للكاذب " إن أحدنا لكاذب ".
وخولف بين حرفي الجر الداخلين على الهدى والضلال لأن صاحب الهدى كأنه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء، والضال كأنه ينغمس في ظلام لا يرى أين يتوجه.
﴿ قُل لا تُسْـاَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلا نُسْـاَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [سبأ : ٢٥] هذا أدخل في الإنصاف من الأول حيث أسند الإجرام إلى المخاطبين وهو مزجور عنه محظور، والعمل إلى المخاطبين وهو مأمور به مشكور.
﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ﴾ [سبأ : ٢٦] يوم القيامة ﴿ ثُمَّ يَفْتَحُ ﴾ [سبأ : ٢٦] يحكم ﴿ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ﴾ [ص : ٢٢] بلا جور ولا ميل ﴿ وَهُوَ الْفَتَّاحُ ﴾ [سبأ : ٢٦] الحاكم ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بالحكم ﴿ قُلْ أَرُونِىَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُم ﴾ [سبأ : ٢٧] أي ألحقتموهم ﴿ بِهِ ﴾ بالله ﴿ شُرَكَآءَ ﴾ في العبادة معه.
ومعنى قوله ﴿ أَرُونِىَ ﴾ وكان يراهم أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله وأن يطلعهم على حالة الإشراك به ﴿ كَلا ﴾ ردع وتنبيه أي ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا عن ضلالكم ﴿ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ ﴾ [سبأ : ٢٧] الغالب فلا يشاركه أحد وهو ضمير الشأن ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبيره
٤٧٢
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ إِلا كَآفَّةً لِّلنَّاسِ ﴾ [سبأ : ٢٨] إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتّهم أن يخرج منها أحد منهم.
وقال الزجاج : معنى الكافة في اللغة الإحاطة، والمعنى أرسلناك جامعاً للناس في الإنذار والإبلاغ، فجعله حالاً من الكاف والتاء على هذا للمبالغة كتاء الراوية والعلاّمة ﴿ بَشِيرًا ﴾ بالفضل لمن أقر ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ بالعدل لمن أصر ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٧] فيحملهم جهلهم على مخالفتك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٠
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَـاذَا الْوَعْدُ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٣