يونس : ٤٨] أي القيامة المشار إليها في قوله ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ﴾ [سبأ : ٢٦] ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَـاْخِرُونَ ﴾ الميعاد ظرف الوعد من مكان أو زمان وهو هنا الزمان ويدل عليه قراءة من قرأ ﴿ مِّيعَادُ يَوْمٍ ﴾ [سبأ : ٣٠] فأبدل منه اليوم، وأما الإضافة فإضافة تبيين كما تقول " بعير سانية " ﴿ لا تَسْتَـاْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [سبأ : ٣٠] أي لا يمكنكم التأخر عنه بالاستمهال ولا التقدم إليه بالاستعجال، ووجه انطباق هذا الجواب على سؤالهم أنهم سألوا عن ذلك وهم منكرون له تعنتاً لا استرشاداً فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقاً للسؤال على الإنكار والتعنت وأنهم مرصدون ليوم يفاجئهم فلا يستطيعون تأخراً عنه ولا تقدماً عليه ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النمل : ٦٧] أي أبو جهل وذووه ﴿ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـاذَا الْقُرْءَانِ وَلا بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [سبأ : ٣١] أي ما نزل قبل القرآن من كتب الله أو القيامة والجنة والنار حتى إنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله، وأن يكون لما دل عليه من الإعادة للجزاء حقيقة ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّـالِمُونَ مَوْقُوفُونَ ﴾ [سبأ : ٣١] محبوسون ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ ﴾ [سبأ : ٣١] يرد ﴿ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ ﴾ [سبأ : ٣١] في الجدال أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة
٤٧٣
فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أو للمخاطب : ولو ترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب فحذف الجواب ﴿ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾ [سبأ : ٣١] أي الأتباع ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾ [إبراهيم : ٢١] أي للرؤوس والمقدمين ﴿ لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴾ [سبأ : ٣١] لولا دعاؤكم إيانا إلى الكفر لكنا مؤمنين بالله ورسوله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٣
﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَـاكُمْ عَنِ الْهُدَى ﴾ [سبأ : ٣٢] أولى الاسم أي نحن حرف الانكار لأن المراد إنكار أن يكون هم الصادين لهم عن الإيمان وإثبات أنهم هم الذين صدوا بأنفسهم عنه وأنهم أتوا من قبل اختيارهم ﴿ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ ﴾ [سبأ : ٣٢] إنما وقعت " إذ " مضافاً إليها وإن كانت " إذ " و " إذا " من الظروف اللازمة للظرفية لأنه قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره فأضيف إليها الزمان ﴿ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ ﴾ [سبأ : ٣٢] كافرين لاختياركم وإيثاركم الضلال على الهدى لا بقولنا وتسويلنا.
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾ [سبأ : ٣٣] لم يأت بالعاطف في ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾ [الأعراف : ٧٦] وأتى به في ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾ [سبأ : ٣٣] لأن الذين استضعفوا مر أولاً كلامهم فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريق الاستئناف، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الأول ﴿ بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [سبأ : ٣٣] بل مكركم بنا بالليل والنهار فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه، أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي أي الليل والنهار مكراً بطول السلامة فيهما حتى ظننا أنكم على الحق ﴿ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُا أَندَادًا ﴾ [سبأ : ٣٣] أشباهاً.
والمعنى أن المستكبرين لما أنكروا بقولهم ﴿ أَنَحْنُ صَدَدْنَـاكُمْ ﴾ [سبأ : ٣٢] أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وأثبتوا بقولهم ﴿ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ ﴾ [سبأ : ٣٢] أن ذلك بكسبهم واختيارهم، كر عليهم المستضعفون بقولهم ﴿ بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [سبأ : ٣٣] فأبطلوا إضرابهم بأضرابهم كأنهم قالوا : ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم لنا دائباً ليلاً
٤٧٤
ونهاراً وحملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد ﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ ﴾ [يونس : ٥٤] أضمروا أو أظهروا وهو من الأضداد وهم الظالمون في قوله
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٣