﴿ إِذِ الظَّـالِمُونَ مَوْقُوفُونَ ﴾ [سبأ : ٣١] يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين ﴿ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ [سبأ : ٣٣] الجحيم ﴿ وَجَعَلْنَا الاغْلَـالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [سبأ : ٣٣] أي في أعناقهم فجاء بالصريح للدلالة على ما استحقوا به الأغلال ﴿ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٤٧] في الدنيا.
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ﴾ [سبأ : ٣٤] نبي ﴿ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَآ ﴾ [سبأ : ٣٤] متنعموها ورؤساؤها ﴿ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِ كَـافِرُونَ ﴾ [سبأ : ٣٤] هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم مما مني به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به وأنه لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير إلا قالوا له مثل ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أهل مكة وافتخروا بكثرة الأموال والأولاد كما قال ﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلَـادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [سبأ : ٣٥] أرادوا أنهم أكرم على الله من أن يعذبهم نظراً إلى أحوالهم في الدنيا، وظنوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم الله، ولولا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم، فأبطل الله ظنهم بأن الرزق فضل من الله يقسمه كيف يشاء، فربما وسع على العاصي وضيق على المطيع وربما عكس، وربما وسع عليهما أو ضيق عليهما فلا ينقاس عليهما أمر.
الثواب وذلك قوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٣
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾ [سبأ : ٣٦] قدر الرزق تضييقه قال الله تعالى ﴿ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾ [الطلاق : ٧] (الطلاق : ٧) ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٧] ذلك ﴿ وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَـادُكُم بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى ﴾ [سبأ : ٣٧] أي وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم بالتي تقربكم، وذلك أن الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء
٤٧٥
في حكم التأنيث، والزلفى والزلفة كالقربى والقربة ومحلها النصب على المصدر أي تقربكم قربة كقوله ﴿ أَنابَتَكُم مِّنَ الارْضِ نَبَاتًا ﴾ [نوح : ١٧] (نوح : ٧١) ﴿ وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَـادُكُم بِالَّتِى ﴾ [سبأ : ٣٧] الاستثناء من " كم " في ﴿ تُقَرِّبُكُمْ ﴾ يعني أن الأموال لا تقرب أحداً إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله، والأولاد لا تقرب أحداً إلا من علمهم الخير وفقههم في الدين ورشحهم للصلاح والطاعة.
وعن ابن عباس :" إلا " بمعنى " لكن " ومن شرط جوابه ﴿ فَأُوالَـائكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ ﴾ [سبأ : ٣٧] وهو من إضافة المصدر إلى المفعول أصله فأولئك لهم أن يجازوا الضعف ثم جزاء الضعف ثم جزاء الضعف، ومعنى جزاء الضعف أن تضاعف لهم حسناتهم الواحدة عشراً وقرأ يعقوب ﴿ جَزَآءُ الضِّعْفِ ﴾ [سبأ : ٣٧]، على " فأولئك لهم الضعف جزاء " ﴿ بِمَا عَمِلُوا ﴾ [المجادلة : ٦] بأعمالهم ﴿ وَهُمْ فِى الْغُرُفَـاتِ ﴾ [سبأ : ٣٧] أي غرف منازل الجنة ﴿ الْغُرْفَةَ ﴾ حمزة ﴿ ءَامِنُونَ ﴾ من كل هائل وشاغل.
﴿ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى ءَايَـاتِنَا ﴾ [سبأ : ٣٨] في إبطالها ﴿ مُعَـاجِزِينَ أؤلئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ ﴾ يوسع ﴿ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُا وَمَآ أَنفَقْتُم ﴾ [سبأ : ٣٩] " ما " شرطية في موضع النصب ﴿ مِن شَىْءٍ ﴾ [الذاريات : ٤٢] بيانه ﴿ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ : ٣٩] يعوضه لا معوض سواه إما عاجلاً بالمال أو آجلاً بالثواب جواب الشرط ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [المؤمنون : ٧٢] المطعمين لأن كل ما رزق غيره من سلطان أو سيد أو غيرهما فهو من رزق الله أجراه على أيدي هؤلاء، وهو خالق الرزق وخالق الأسباب التي بها ينتفع المرزوق بالرزق.
وعن بعضهم : الحمد لله الذي أوجدني وجعلني ممن يشتهي فكم من مشتهٍ لا يجد وواجد لا يشتهي.
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـائكَةِ أَهَـاؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴾ [سبأ : ٤٠] وبالياء فيهما : حفص ويعقوب.
هذا خطاب للملائكة وتقريع للكفار وارد على المثل السائر :
٤٧٦
إياك أعني واسمعي يا جاره
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٣