ونحوه قوله ﴿ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ ﴾ [المائدة : ١١٦] (المائدة : ٦١١) الآية ﴿ قَالُوا ﴾ أي الملائكة ﴿ سُبْحَـاـنَكَ ﴾ تنزيهاً لك أن يعبد معك غيرك ﴿ أَنتَ وَلِيُّنَا ﴾ [الأعراف : ١٥٥] الموالاة خلاف المعاداة وهي مفاعلة من الولي وهو القرب والولي يقع على الموالي والموالي جميعاً، والمعنى أنت الذي تواليه ﴿ مِن دُونِهِمُ ﴾ [القصص : ٢٣] إذ لا موالاة بيننا وبينهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم لأن من كان على هذه الصفة كانت حاله منافية لذلك ﴿ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ﴾ [سبأ : ٤١] أي الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله، أو كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتها، أو صورت لهم الشياطين صور قوم من الجن وقالوا هذه صور الملائكة فاعبدوها ﴿ أَكْثَرُهُمْ ﴾ أكثر الإنس أو الكفار ﴿ بِهِمُ ﴾ بالجن ﴿ مُؤْمِنُونَ ﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٣
﴿ فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلا ضَرًّا ﴾ [سبأ : ٤٢] لأن الأمر في ذلك اليوم لله وحده لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرة لأحد، لأن الدار دار ثواب وعقاب والمثيب والمعاقب هو الله.
فكانت حالها خلاف حال الدنيا التي هي دار تكليف والناس فيها مخلي بينهم يتضارون ويتنافعون، والمراد أنه لا ضار ولا نافع يومئذ إلا هو.
ثم ذكر عاقبة الظالمين بقوله ﴿ وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [سبأ : ٤٢] بوضع العبادة في غير موضعها معطوف على ﴿ لا يَمْلِكُ ﴾ [سبأ : ٤٢] ﴿ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [سبأ : ٤٢] في الدنيا ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا ﴾ أي إذا قريء عليهم القرآن ﴿ بَيِّنَـاتٍ ﴾ واضحات ﴿ قَالُوا ﴾ أي المشركون ﴿ مَا هَـاذَآ ﴾ [الأحقاف : ١٧] أي محمد ﴿ إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَـاذَآ ﴾ [سبأ : ٤٣] أي القرآن ﴿ إِلا إِفْكٌ ﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٧
﴿ عَمُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النمل : ٦٧] أي
٤٧٧
وقالوا، والعدول عنه دليل على إنكار عظيم وغضب شديد ﴿ لِلْحَقِّ ﴾ للقرآن أو لأمر النبوة كله ﴿ لَمَّا جَآءَهُمْ ﴾ [سبأ : ٤٣] وعجزوا عن الإتيان بمثله ﴿ إِنَّ هَـاذَآ ﴾ [ص : ٢٣] أي الحق ﴿ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [المائدة : ١١٠] بتوه على أنه سحر ثم بتوه على أنه بين ظاهر كل عاقل تأمله سماه سحراً ﴿ وَمَآ ءَاتَيْنَـاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ﴾ [سبأ : ٤٤] أي ما أعطينا مشركي مكة كتباً يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ ﴾ [سبأ : ٤٤] ولا أرسلنا إليهم نذيراً يندرهم بالعقاب إن لم يشركوا.
ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله ﴿ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [سبأ : ٤٥] أي وكذب الذين تقدموهم من الأمم الماضية والقرون الخالية الرسل كما كذبوا ﴿ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ ﴾ [سبأ : ٤٥] أي وما بلغ أهل مكة عشر ما أوتي الأولون من طول الأعمار وقوة الأجرام وكثرة الأموال والأولاد ﴿ فَكَذَّبُوا رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ [سبأ : ٤٥] للمكذبين الأولين فليحذروا من مثله.
وبالياء في الوصل والوقف : يعقوب أي فحين كذبوا رسلهم جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم مستظهرون، فما بال هؤلاء؟ وإنما قال ﴿ فَكَذَّبُوا ﴾ وهو مستغنى عنه بقوله ﴿ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [سبأ : ٤٥] لأنه لما كان معنى قوله ﴿ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [سبأ : ٤٥] وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل مسبباً عنه وهو كقول القائل : أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٧