﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ﴾ [سبأ : ٤٦] بخصلة واحدة وقد فسرها بقوله ﴿ أَن تَقُومُوا ﴾ [سبأ : ٤٦] على أنه عطف بيان لها وقيل هو بدل، وعلى هذين الوجهين هو في محل الجر.
وقيل : هو في محل الرفع على تقدير وهي أن تقوموا، والنصب على تقدير أعني، وأراد بقيامهم القيام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتفرقهم عن مجتمعهم عنده، أو قيام القصد إلى الشيء دون النهوض والانتصاب، والمعنى إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم
٤٧٨
الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا ﴿ لِّلَّهِ ﴾ أي لوجه الله خالصاً لا لحمية ولا عصبية بل لطلب الحق ﴿ مَثْنَى ﴾ اثنين اثنين ﴿ وَفُرَادَى ﴾ فرداً فرداً ﴿ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ [سبأ : ٤٦] في أمر محمد صلى الله عليه وسلّم وما جاء به، أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه نظر الصدق والإنصاف حتى يؤديهما النظر الصحيح إلى الحق، وكذلك الفرد يتفكر في نفسه بعدل ونصفة ويعرض فكره على عقله.
ومعنى تفرقهم مثنى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويعمي البصائر ويمنع من الروية ويقال الإنصاف فيه ويكثر الاعتساف ويثور عجاج التعصب ولا يسمع إلا نصرة المذهب.
و ﴿ تَتَفَكَّرُوا ﴾ معطوف على ﴿ تَقُومُوا ﴾ ﴿ مَا بِصَاحِبِكُم ﴾ [سبأ : ٤٦] يعني محمداً صلى الله عليه وسلّم ﴿ مِّن جِنَّةٍ ﴾ [الأعراف : ١٨٤] جنون.
والمعنى ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة ﴿ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سبأ : ٤٦] قدام عذاب شديد وهو عذاب الآخرة وهو كقوله عليه السلام " بعثت بين يدي الساعة ".
ثم بين أنه لا يطلب أجراً على الإنذار بقوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٧
﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ﴾ [سبأ : ٤٧] على إنذاري وتبليغي الرسالة ﴿ فَهُوَ لَكُمْ ﴾ [سبأ : ٤٧] جزاء الشرط تقديره أي شيء سألتكم من أجر كقوله :﴿ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ ﴾ [فاطر : ٢] (فاطر : ٢) ومعناه نفي مسئلة الأجر رأساً نحو مالي في هذا فهو لك أي ليس فيه شيء ﴿ إِنْ أَجْرِىَ ﴾ [هود : ٥١] مدني وشامي وأبو بكر وحفص، وبسكون الياء : غيرهم ﴿ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدُُ ﴾ [سبأ : ٤٧] فيعلم أني لا أطلب الأجر على نصحيتكم ودعائكم إليه إلا منه.
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ ﴾ [سبأ : ٤٨] بالوحي.
والقذف توجيه السهم ونحوه بدفع واعتماد ويستعار لمعنى الإلقاء ومنه ﴿ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾ [الأحزاب : ٢٦] (الأحزاب : ٦٢) ﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ ﴾ [طه : ٣٩] (طه : ٩٣) ومعنى يقذف بالحق يلقيه وينزله إلى أنبيائه أو يرمي به الباطل فيدمغه ويزهقه ﴿ عَلَّـامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة : ١٠٩] مرفوع على البدل من الضمير في ﴿ يَقْذِفُ ﴾ أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ﴿ قُلْ جَآءَ الْحَقُّ ﴾ [سبأ : ٤٩] الإسلام والقرآن ﴿ وَمَا يُبْدِئُ الْبَـاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٩
سبأ : ٤٩] أي زال
٤٧٩


الصفحة التالية
Icon