﴿ الْحَكِيمُ * يَـا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا ﴾ باللسان والقلب ﴿ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة : ٢٣١] وهي التي تقدمت من بسط الأرض كالمهاد، ورفع السماء بلا عماد، وإرسال الرسل لبيان السبيل دعوة إليه وزلفة لديه، والزيادة في الخلق وفتح أبواب الرزق.
ثم نبه على رأس النعم وهو اتحاد المنعم بقوله ﴿ هَلْ مِنْ خَـالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر : ٣] برفع ﴿ غَيْرَ ﴾ على الوصف لأن ﴿ خَـالِقٍ ﴾ مبتدأ خبره محذوف أي لكم.
وبالجر : علي وحمزة على الوصف لفظاً ﴿ يَرْزُقُكُم ﴾ يجوز أن يكون مستأنفاً ويجوز أن يكون صفة لـ ﴿ خَـالِقٍ ﴾ ﴿ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ [الشعراء : ٤] بالمطر ﴿ وَالارْضَ ﴾ بأنواع النبات ﴿ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ [البقرة : ٢٥٥] جملة مفصولة لا محل لها ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [الأنعام : ٩٥] فبأي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك.
٤٨٤
﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ﴾ [فاطر : ٤] نعى به على قريش سوء تلقيهم لآيات الله وتكذيبهم بها، وسلى رسوله بأن له في الأنبياء قبله أسوة ولهذا نكر ﴿ رُسُلٌ ﴾ أي رسل ذوو عدد كبير وأولو آيات ونذر وأهل أعمال طوال وأصحاب صبر وعزم لأنه أسلى له، وتقدير الكلام وإن يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك لأن الجزاء يتعقب الشرط، ولو أجرى على الظاهر يكون سابقاً عليه.
ووضع ﴿ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ﴾ [فاطر : ٤] موضع " فتأس " استغناء بالسبب عن المسبب أي بالتذكيب عن التأسي ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الامُورُ ﴾ [البقرة : ٢١٠] كلام يشتمل على الوعد والوعيد من رجوع الأمور إلى حكمه ومجازاة المكذّب والمكذّب بما يستحقانه، ﴿ تُرْجَعُ ﴾ بفتح التاء : شامي وحمزة وعلي ويعقوب وخلف وسهل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٣
﴿ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ [فاطر : ٥] بالبعث والجزاء ﴿ حَقٌّ ﴾ كائن ﴿ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا ﴾ [لقمان : ٣٣] فلا تخدعنكم الدنيا ولا يذهلنكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله ﴿ وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان : ٣٣] أي الشيطان فإنه يمنّيكم الأمانيّ الكاذبة ويقول إن الله غني عن عبادتك وعن تكذيبك.
﴿ إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ﴾ [فاطر : ٦] ظاهر العداوة فعل بأبيكم ما فعل وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بأحواله ﴿ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر : ٦] في عقائدكم وأفعالكم ولا يوجدنّ منكم إلا ما يدل على معاداته في سركم وجهركم.
ثم لخص سر أمره وخطأ من اتبعه بأن غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته هو أن يوردهم مورد الهلاك بقوله ﴿ إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ ﴾.
ثم كشف الغطاء فبنى الأمر كله على الإيمان وتركه فقال ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [فاطر : ٧] أي فمن أجابه حين دعاه فله عذاب شديد
٤٨٥


الصفحة التالية
Icon