لأنه صار من حزبه أي أتباعه ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [البقرة : ٨٢] ولم يجيبوه ولم يصيروا من حزبه بل عادوه ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [هود : ١١] لكبر جهادهم.
ولما ذكر الفريقين قال لنبيه عليه السلام ﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُواءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا ﴾ [فاطر : ٨] بتزيين الشيطان كمن لم يزين له فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لا، فقال ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر : ٨] وذكر الزجاج أن المعنى : أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرة، فحذف الجواب لدلالة ﴿ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ ﴾ [فاطر : ٨] عليه، أو أفمن له سوء علمه كمن هداه الله فحذف لدلالة ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ﴾ [فاطر : ٨] عليه.
﴿ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ ﴾ [فاطر : ٨] : يزيد أي لا تهلكها ﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ مفعول له يعني فلا تهلك نفسك للحسرات و ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ صلة ﴿ تَذْهَبْ ﴾ كما تقول : هلك عليه حباً ومات عليه حزناً.
ولا يجوز أن يتعلق بـ ﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر : ٨] وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم ﴿ وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَـاحَ ﴾ [فاطر : ٩] ﴿ الرِّيحَ ﴾ : مكي وحمزة وعلي ﴿ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَـاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ ﴾ [فاطر : ٩] بالتشديد : مدني وحمزة وعلي وحفص، وبالتخفيف : غيرهم.
﴿ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ﴾ [فاطر : ٩] بالمطر لتقدم ذكره ضمناً ﴿ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [الروم : ٥٠] يبسها.
وإنما قيل ﴿ فَتُثِيرُ ﴾ لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب وتستحضر تلك الصورة الدالة على القدرة الربانية، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب، وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها.
لما كان من الدليل على القدرة الباهرة قيل فسقنا وأحيينا معدولاً بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه ﴿ كَذَالِكَ النُّشُورُ ﴾ [فاطر : ٩] الكاف في محل الرفع أي مثل إحياء الموت نشور الأموات قيل يحيي الله الخلق بما يرسله من تحت العرش كمني الرجال تنبت منه أجساد الخلق.
٤٨٦
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٣
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر : ١٠] أي العزة كلها مختصة، بالله عزة الدنيا وعزة الآخرة وكان الكافرون يتعززون بالأصنام كما قال :﴿ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ﴾ [مريم : ٨١] (مريم : ١٨).
والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم كانوا يتعززون بالمشركين كما قال :﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَـافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء : ١٣٩] (النساء : ٩٣١).
فبين أن لا عزة إلا بالله.
والمعنى فليطلبها عند الله فوضع قوله ﴿ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ موضعه استغناء عنه به لدلالته عليه لأن الشيء لا يطلب إلا عند صاحبه وماله ونظير قولك :" من أراد النصيحة فهي عند الأبرار ".
تريد فليطلبها عندهم إلا أنك أقمت مايدل عليه مقامه، وفي الحديث " إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز " ثم عرف أن ما يطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح بقوله
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٧


الصفحة التالية
Icon