﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ ومعنى قوله ﴿ إِلَيْهِ ﴾ إلى محل القبول والرضا وكل ما اتصف بالقبول وصف بالرفعة والصعود، أو إلى حيث لا ينفذ فيه إلا حكمه والكلم الطيب كلمات التوحيد أي لا إله إلا الله.
وكان القياس الطيبة ولكن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا التاء يذكر ويؤنث.
والعمل الصالح العبادة الخالصة يعني والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب فالرافع الكلم والمرفوع العمل لأنه لا يقبل عمل إلا من موحد.
وقيل : الرافع الله والمرفوع العمل أي العمل الصالح يرفعه الله، وفيه إشارة إلى أن العمل يتوقف على الرفع والكلم الطيب يصعد بنفسه.
وقيل : العمل الصالح يرفع العامل ويشرفه أي من أراد العزة فليعمل عملاً صالحاً فإنه هو الذي يرفع العبد ﴿ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [فاطر : ١٠] هي صفة لمصدر محذوف أي المكرات السيئات لأن مكر فعل غير متعدٍ، لا يقال مكر فلان عمله.
والمراد مكر قريش به عليه السلام حين اجتمعوا في دار الندوة كما قال الله تعالى :﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ﴾ [الانفال : ٣٠] (الأنفال : ٠٣١) الآية ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [الشورى : ٢٦] في الآخرة ﴿ وَمَكْرُ أؤلئك ﴾ [فاطر : ١٠] مبتدأ ﴿ هُوَ ﴾ فصل ﴿ يَبُورُ ﴾ خبر أي
٤٨٧
ومكر أولئك الذين مكروا هو خاصة يبور أي يفسد ويبطل دون مكر الله بهم حين أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم جميعاً حقق بهم.
قوله تعالى ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَـاكِرِينَ ﴾ [الانفال : ٣٠] (الأنفال : ٠٣) وقوله ﴿ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ ﴾ (فاطر : ٣٤).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٧
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُم ﴾ [النحل : ٧٠] أي أباكم ﴿ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ ﴾ [الروم : ٢٠] أنشأكم ﴿ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [فاطر : ١١] أصنافاً أو ذكراناً وإناثاً ﴿ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ ﴾ [فاطر : ١١] هو في موضع الحال أي معلومة له ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ ﴾ [فاطر : ١١] أي وما يعمر من أحد.
وإنما سماه معمراً بما هو صائر إليه ﴿ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِى كِتَـابٍ ﴾ [فاطر : ١١] يعني اللوح أو صحيفة الإنسان ولا ينقص زيد.
فإن قلت : الإنسان إما معمر أي طويل العمر أو منقوص العمر أي قصيره، فأما أن يتعاقب عليه التعمير وخلافه فمحال فكيف صح قوله ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ﴾ [فاطر : ١١]؟ قلت : هذا من الكلام المتسامح فيه ثقة في تأويله بأفهام السامعين واتكالاً على تسديدهم معناه بعقولهم وأنه لا يلتبس عليهم إحالة الطول والقصر في عمر واحد وعليه كلام الناس يقولون : لا يثيب الله عبداً ولا يعاقبه إلا بحق.
أو تأويل الآية أنه يكتب في الصحيفة عمره كذا كذا سنة ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتي على آخره فذلك نقصان عمره.
وعن قتادة : المعمر من يبلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة ﴿ إِنَّ ذَالِكَ ﴾ [الحج : ٧٠] أي إحصاءه أو زيادة العمر ونقصانه ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج : ٧٠] سهل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٧
﴿ وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَـاذَا ﴾ [فاطر : ١٢] أي أحدهما ﴿ عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ [فاطر : ١٢] شديد العذوبة.
وقيل : هو الذي يكسر العطش ﴿ سَآ ـاِغٌ شَرَابُهُ ﴾ [فاطر : ١٢] مريء سهل الانحدار لعذوبته وبه ينتفع شرّاته ﴿ وَهَـاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ [الفرقان : ٥٣] شديد الملوحة.
وقيل : هو الذي يحرق بملوحته
٤٨٨


الصفحة التالية
Icon