﴿ قَالَ هَـاذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ ﴾ [الكهف : ٧٨] هذا إشارة إلى السؤال الثالث أي هذا الاعتراض سبب الفراق والأصل هذا فراق بيني وبينك وقد قرىء به فأضيف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به ﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف : ٧٨] ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَـاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ ﴾ [الكهف : ٧٩] قيل كانت لعشرة أخوة خمسة منهم زمني وخمسة يعلمون في البحر ﴿ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ [الكهف : ٧٩] أجعلها ذات عيب ﴿ وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ ﴾ [الكهف : ٧٩] أمامهم أو خلفهم وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره فأعلم الله به الخضر وهو جلندي ﴿ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف : ٧٩] أي يأخذ كل سفينة صالحة لا عيب فيها غصباً وإن كانت معيبة تركها وهو مصدر أو مفعول له فإن قلت قوله : فأردت أن أعيبها مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب قلت المراد به التأخير وإنما قدم للعناية ﴿ وَأَمَّا الْغُلَـامُ ﴾ [الكهف : ٨٠] وكان اسمه الحسين ﴿ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَـانًا وَكُفْرًا ﴾ [الكهف : ٨٠] فخفنا أن يغشي الوالدين المؤمنين طغياناً عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شراً وبلاء أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه وهو من كلام الخضر وإنما خشي الخضر منه ذلك لأنه تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سر أمره وإن كان من قول الله تعالى فمعني فخشينا فعلمنا إن عاش أن يصير سبباً لكفر والديه ﴿ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ﴾ [الكهف : ٨١] يبَدِّلهما ربهما مدني وأبو عمرو ﴿ خَيْرًا مِّنْهُ زَكَواةً ﴾ [الكهف : ٨١] طهارة ونقاء من الذنوب ﴿ وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف : ٨١] رحمة وعطفا وزكاة ورحما تمييز روي أنه ولدت لهما جارية تزوجها نبي فولدت نبياً أو سبعين نبياً أو أبدلهما ابنا مؤمنا مثلهما رُحُما شامي وهما لغتان
٣٨
﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـامَيْنِ ﴾ [الكهف : ٨٢] أصرم وصريم ﴿ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ ﴾ [الكهف : ٨٢] هي القرية المذكورة ﴿ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا ﴾ [الكهف : ٨٢] أي لوح من ذهب مكتوب فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف بحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله أو مال مدفون من ذهب وفضة أو صحف فيها علم والأول أظهر وعن قتادة أحل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا وحرمت الغنيمة عليها وأحلت لنا ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا ﴾ [الكهف : ٨٢] قيل جدهما السابع ﴿ صَـالِحًا ﴾ ممن يصحبني وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قال : لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما بم حفظ الله الغلامين قال : بصلاح أبيهما قال : فأبي وجدي خير منه ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا ﴾ [الكهف : ٨٢] أي الحلم ﴿ وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً ﴾ [الكهف : ٨٢] مفعول له أو مصدر منصوب بأراد ربك لأنه في معنى رحمهما ﴿ مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ ﴾ [الكهف : ٨٢] وما فعلت ما رأيت ﴿ عَنْ أَمْرِى ﴾ [الكهف : ٨٢] عن اجتهادي وإنما فعلته بأمر الله والهاء تعود إلى الكل أو إلى الجدار ﴿ ذَالِكَ ﴾ أي الأجوبة الثلاثة ﴿ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴾ حذف التاء تخفيفاً وقد زل أقدام أقوام من الضلال في تفضيل الولي على النبي وهو كفر جلى حيث قالوا أمر موسى بالتعلم من الخضر وهو وليّ والجواب أن الخضر نبي وإن لم يكن كما زعم البعض فهذا ابتلاء في حق موسى عليه السلام على أن أهل الكتاب يقولون إن موسى هذا ليس موسى بن عمران إنما هو موسى بن ماثان ومن المحال أن يكون الوليّ وليًّا إلا بإيمانه بالنبي ثم يكون النبي دون الوليّ ولا غضاضة في طلب موسى العلم لأن الزيادة في العلم مطلوبة وإنما ذكر أولاً فأردت لأنه إفساد في الظاهر وهو فعله وثالثاً فأراد ربك لأنه إنعام محض وغير مقدور البشر وثانياً فأردنا لأنه إفساد من حيث الفعل إنعام من حيث التبديل وقال الزجاج : معني فأردنا فأراد الله عز وجل ومثله في القرآن كثير ﴿ وَيَسْـاَلُونَكَ ﴾ أي اليهود على جهة الإمتحان أو أبو جهل وأشياعه
٣٩