﴿ بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ بالمعجزات ﴿ وَبِالزُّبُرِ ﴾ وبالصحف ﴿ وَبِالْكِتَـابِ الْمُنِيرِ ﴾ [فاطر : ٢٥] أي التوراة والإنجيل والزبور.
ولما كانت هذه الأشياء في جنسهم أسند المجيء بها إليهم إسناداً مطلقاً وإن كان بعضها في جميعهم ـ وهي البينات ـ وبعضها في بعضهم ـ وهي الزبر والكتاب ـ وفيه مسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُ ﴾ [فاطر : ٢٦] عاقبت ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النمل : ٦٧] بأنواع العقوبة ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ [الحج : ٤٤] إنكاري عليهم وتعذيبي لهم ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ﴾ [فاطر : ٢٧] بالماء ﴿ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ﴾ [فاطر : ٢٧] أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها مما لا يحصر أو هيئاتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها ﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدُ ﴾ [فاطر : ٢٧] طرق مختلفة جدة كمدة ومدد ﴿ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ [فاطر : ٢٧] جمع غربيب وهو تأكيد للأسود.
يقال : أسود غربيب وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه ومنه الغراب.
وكان من حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك " أصفر فاقع " إلا أنه أضمر المؤكد قبله والذي بعده تفسير للمضمر، وإنما يفصل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار جميعاً، ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله ﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدُ ﴾ [فاطر : ٢٧] أي ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود حتى يؤول إلى قولك : ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال ثمرات مختلفاً ألوانها.
٤٩٣
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ [فاطر : ٢٨] يعني ومنهم بعض مختلف ألوانه ﴿ كَذَالِكَ ﴾ أي كاختلاف الثمرات والجبال.
ولما قال ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً ﴾ [الحج : ٦٣] وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدل به عليه وعلى صفاته، أتبع ذلك
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٠
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـاؤُا ﴾ أي العلماء به الذين علموه بصفاته فعظموه ومن ازداد علماً به ازداد منه خوفاً ومن كان علمه به أقل كان آمن.
وفي الحديث " أعلمكم بالله أشدكم له خشية " وتقديم اسم الله تعالى وتأخير العلماء يؤذن أن معناه أن الذين يخشون الله من عباده العلماء دون غيرهم ولو عكس لكان المعنى أنهم لا يخشون إلا الله كقوله :﴿ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ ﴾ [الأحزاب : ٣٩] (الأحزاب : ٩٣) وبينهما تغاير، ففي الأول بيان أن الخاشين هم العلماء، وفي الثاني بيان أن المخشي منه هو الله تعالى.
وقرأ أبو حنيفة وابن عبد العزيز وابن سيرين رضي الله عنهم ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ [فاطر : ٢٨] والخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى إنما يعظم الله من عباده العلماء ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر : ٢٨] تعليل لوجوب الخشية لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم والمعاقب المثيب حقه أن يخشى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٠
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـابَ اللَّهِ ﴾ [فاطر : ٢٩] يداومون على تلاوة القرآن ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَواةَ ﴾ [الرعد : ٢٢] أي مسرين النفل ومعلنين الفرض يعني لا يقتنعون بتلاوته عن حلاوة العمل به ﴿ يَرْجُونَ ﴾ خبر " إنّ " هي طلب الثواب بالطاعة ﴿ تِجَـارَةً لَّن تَبُورَ ﴾ [فاطر : ٢٩] لن تكسد يعني تجارة ينتفى عنها الكساد وتنفق عند الله ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ ﴾ متعلق بـ ﴿ لَّن تَبُورَ ﴾ [فاطر : ٢٩] أي ليوفيهم بنفاقها عنده ﴿ أُجُورَهُمْ ﴾ ثواب
٤٩٤
أعمالهم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٤