﴿ كاهيعاص ﴾ قال السدي : هو اسم الله الأعظم وقيل هو اسم للسورة قرأ علي ويحيى بكسر الهاء والياء ونافع بين الفتح والكسر وإلى الفتح أقرب وأبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء وحمزة بعكسه وغيرهم بفتحهما ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ ﴾ [مريم : ٢] خبر مبتدأ أي هذا ذكر ﴿ عَبْدَهُ ﴾ مفعول الرحمة ﴿ زَكَرِيَّآ ﴾ بالقصر حمزة وعلي وحفص وهو بدل من عبده ﴿ إِذِ ﴾ ظرف للرحمة ﴿ نَادَى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيًّا ﴾ [مريم : ٣] دعاه دعاء سرا كما هو المأمور به وهو أبعد عن الرياء وأقرب إلى الصفاء أو أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في أوان الكبر لأنه كان ابن خمس وسبعين أو ثمانين سنة ﴿ قَالَ رَبِّ ﴾ [آل عمران : ٤١] هذا تفسير الدعاء وأصله يا ربي فحذف حرف النداء والمضاف إليه اختصاراً ﴿ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى ﴾ [مريم : ٤] ضعف وخص العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ولأنه أشد ما فيه وأصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية والمراد أن هذا
٤٧
الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [مريم : ٤] تمييز أي فشا في رأسي الشيب واشتعلت النار إذا تفرقت في إلتهابها وصارت شعلاً فشبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار ولا ترى كلاماً أفصح من هذا ألا ترى أن أصل الكلام يا رب قد شخت إذ الشيخوخة تشتمل على ضعف البدن وشيب الرأس المتعرض لهما وأقوى منه ضعف بدني وشاب رأسي ففيه مزيد التقرير للتفصيل، وأقوى منه وهنت عظام بدني ففيه عدول عن التصريح إلى الكناية فهي أبلغ منه وأقوى منه وأنا وهنت عظام بدني وأقوى منه إني وهنت عظام بدني وأقوى منه إني وهنت العظام من بدني ففيه سلوك طريقي الإجمال والتفصيل وأقوى منه إني وهنت العظام مني ففيه ترك توسيط البدن وأقوى منه إني وهن العظم مني لشمول الوهن العظام فرداً فرداً باعتبار ترك جمع العظم إلى الإفراد لصحه حصول وهن المجموع بالبعض دون كل فرد فرد ولهذا تركت الحقيقة في شاب رأسي إلى أبلغ وهي الاستعارة فحصل اشتعل شيب رأسي وأبلغ منه اشتعل رأسي شيباً لإسناد الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس إذ وزان اشتعل شيب رأسي واشتعل رأسي شيباً وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي ناراً والفرق نير ولأن فيه الإجمال والتفصيل كما عرف في طريق التمييز وأبلغ منه واشتعل الرأس مني شيباً لما مر وأبلغ منه واشتعل الرأس شيباً ففيه اكتفاء بعلم المخاطب إنه رأس زكريا بقرينة العطف على وهن العظم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧
﴿ وَلَمْ أَكُن بِدُعَآ ـاِكَ ﴾ [مريم : ٤] مصدر مضاف إلى المفعول أي بدعائي إياك ﴿ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم : ٤] أي كنت مستجاب الدعوة قبل اليوم سعيداً به غير شقي فيه يقال سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها وشقي إذا خاب ولم ينلها وعن بعضهم أن محتاجاً سأله وقال : أنا الذي أحسنت إلي وقت كذا فقال : مرحباً بمن توسل بنا إلينا وقت حاجته وقضى حاجته
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧
﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ ﴾ [مريم : ٥] هم عصبته أخوته وبنو عمه وكانوا شرار بني إسرائيل فخافهم أن يغيروا الدين وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته فطلب عقباً صالحاً
٤٨
من صلبه يقتدي به في إحياء الدين ﴿ مِن وَرَآءِى ﴾ [مريم : ٥] بعد موتي وبالقصر وفتح الياء كهداي مكى وهذا الظرف لا يتعلق بخفت لأن وجود خوفه بعد موته لا يتصور ولكن بمحذوف أو بمعنى الولاية في الموالي أي خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي، أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا ﴾ [مريم : ٥] عقيماً لا تلد ﴿ فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ﴾ [مريم : ٥] اختراعا منك بلا سبب لأن امرأتي لا تصلح للولادة ﴿ وَلِيًّا ﴾ ابنا يلي أمرك بعدي
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨


الصفحة التالية
Icon