﴿ وَبَرَّا بِوَالِدَيْهِ ﴾ [مريم : ١٤] وباراً بهما لا يعصيهما ﴿ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا ﴾ [مريم : ١٤] متكبراً ﴿ عَصِيًّا ﴾ عاصياً لربه ﴿ وَسَلَـامٌ عَلَيْهِ ﴾ [مريم : ١٥] أمان من الله له ﴿ يَوْمَ وُلِدَ ﴾ [مريم : ١٥] من أن يناله الشيطان ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ ﴾ [مريم : ١٥] من فتاني القبر ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم : ١٥] من الفزع الأكبر قال ابن عيينة : إنها أوحش المواطن ﴿ وَاذْكُرْ ﴾ يا محمد ﴿ فِى الْكِتَـابِ ﴾ [مريم : ٤١] القرآن ﴿ مَرْيَمَ ﴾ أي اقرأ عليهم في القرآن قصة مريم ليقفوا عليها ويعلموا ما جرى عليها ﴿ إِذِ ﴾ بدل من مريم بدل اشتمال إذ الأحيان مشتملة على ما فيها وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيه ﴿ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [مريم : ١٦] أي اعتزلت ﴿ مَكَانًا ﴾ ظرف ﴿ شَرْقِيًّا ﴾ أي تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أو من دارها معتزلة عن الناس وقيل قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض ﴿ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا ﴾ [مريم : ١٧] جعلت بينها وبين أهلها حجاباً يسترها لتغتسل وراءه ﴿ فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ [مريم : ١٧] جبريل عليه السلام والإضافة للتشريف وإنا سمي روحاً لأن الدين يحيا به وبوحيه ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا ﴾ [مريم : ١٧] أي فتمثل لها جبريل في صورة آدمى شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر ﴿ سَوِيًّا ﴾ مستوى الخلق وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه ﴿ قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَـانِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم : ١٨] أي إن كان يرجى منك أن
٥١
تتقي الله فإني عائذة به منك
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١
﴿ قَالَ ﴾ جبريل عليه السلام ﴿ إِنَّمَآ أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ﴾ [مريم : ١٩] أمنها مما خافت وأخبر أنه ليس بآدمى بل هو رسول من استعاذت به ﴿ لاهَبَ لَكِ ﴾ [مريم : ١٩] بإذن الله تعالى، أو لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الروع ليهب لك أي الله، أبو عمرو ونافع.
﴿ غُلَـامًا زَكِيًّا ﴾ [مريم : ١٩] ظاهراً من الذنوب أو نامياً على الخير والبركة ﴿ قَالَتْ إِنِّى ﴾ [مريم : ١٨] كيف ﴿ يَكُونُ لِي غُلَـامٌ ﴾ [آل عمران : ٤٠] ابن ﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ ﴾ [آل عمران : ٤٧] زوج بالنكاح ﴿ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ [مريم : ٢٠] فاجرة تبغي الرجال أي تطلب الشهوة من أي رجل كان ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين، والبغي فعول عند المبرد بغوي فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت العين إتباعاً ولذا لم تلحق تاء التأنيث كما لم تلحق في امرأة صبور وشكور وعند غيره هي فعيل ولم تلحقها الهاء لأنها بمعنى مفعولة وإن كانت بمعنى فاعلة فهو قد يشبه به مثل إن رحمة الله قريب ﴿ قَالَ ﴾ جبريل ﴿ كَذَالِكَ ﴾ أي الأمر كما قلت : لم يمسسك رجل نكاحاً أو سفاحاً ﴿ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ ﴾ [مريم : ٩] أي إعطاء الولد بلا أب عليَّ سهل ﴿ وَلِنَجْعَلَهُا ءَايَةً لِّلنَّاسِ ﴾ [مريم : ٢١] تعليل معلله محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك أو هو معطوف على تعليل مضمر أي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية للناس أي عبرة وبرهاناً على قدرتنا ﴿ وَرَحْمَةً مِّنَّا ﴾ [مريم : ٢١] لمن أمن به ﴿ وَكَانَ ﴾ خلق عيسى ﴿ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ﴾ [مريم : ٢١] مقدراً مسطوراً في اللوح فلما أطمأنت إلى قوله دنا منها فنفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى بطنها ﴿ فَحَمَلَتْهُ ﴾ أي الموهوب وكانت سنها ثلاث عشرة سنة أو عشراً أو عشرين ﴿ فَانتَبَذَتْ بِهِ ﴾ [مريم : ٢٢] اعتزلت وهو في بطنها والجار والمجرور في موضع الحال، عن ابن عباس رضي الله عنهما كانت مدة الحمل ساعة واحدة كما حملته
٥٢
نبذته وقيل ستة أشهر وقيل سبعة وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية إلا عيسى وقيل حملته في ساعة ووضعته في ساعة ﴿ مَكَانًا قَصِيًّا ﴾ [مريم : ٢٢] بعيداً من أهلها وراء الجبل وذلك لأنها لما أحست بالحمل هربت من قومها مخافة اللإئمة
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢


الصفحة التالية
Icon