﴿ فَأَجَآءَهَا ﴾ جاء بها وقيل ألجأها وهو منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء ألا تراك لا تقول جئت المكان وأجاءنيه زيد ﴿ الْمَخَاضُ ﴾ وجمع الولادة ﴿ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم : ٢٣] أصلها وكان يابسة وكان الوقت شتاء وتعريفها مشعر بأنها كانت نخلة معروفة وجاز أن يكون التعريف للجنس أي جذع هذه الشجرة كأنه تعالى أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب لأنه حرسة النفساء أي طعامها ثم ﴿ قَالَتْ ﴾ جزعاً مما أصابها ﴿ يَـالَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَـاذَا ﴾ [مريم : ٢٣-٦٢] اليوم مِتُّ مدني وكوفي غير أبي بكر وغيرهم بالضم يقال مات يموت ومات بمات ﴿ وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ﴾ [مريم : ٢٣] شيئاً متروكاً لا يعرف ولا يذكر.
بفتح النون حمزة وحفص بالكسر غيرهما ومعناهما واحد وهو الشيء الذي حقه أن يطرح وينسى لحقارته ﴿ فَنَادَاـاهَا مِن تَحْتِهَآ ﴾ [مريم : ٢٤] مَن أي الذي تحتها فمن فاعل وهو جبريل عليه السلام لأنِه كان بمكان منخفض عنها أو عيسى عليه السلام لأنه خاطبها من تحت ذيلها من تحتها مدني وكوفي سوى أبي بكر والفاعل مضمر وهو عيسى عليه السلام أو جبريل والهاء في تحتها للنخلة ولشدة ما لقيت سليت بقوله ﴿ أَلا تَحْزَنِى ﴾ [مريم : ٢٤] لا تهتمي بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس وأن بمعنى أي ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ ﴾ [مريم : ٢٤] بقربك أو تحت أمرك إن أمرته أن يجري حرى وإن أمرته أن يقف وقف ﴿ سَرِيًّا ﴾ نهراً صغيراً عند الجمهور وسئل النبي صلى الله عليه وسلّم عن السري فقال : هو الجدول وعن الحسن سيداً كريماً يعني عيسى عليه السلام وروي أن خالد بن صفوان قال : له إن العرب تسمى الجدول سرياً فقال الحسن : صدقت ورجع إلى قوله وقال : ابن عباس رضي
٥٣
الله عنهما ضرب عيسى أو جبريل عليهما السلام بعقبه الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى النهر اليابس فاخضرت النخلة وأثمرت وأينعت ثمرتها فقيل لها
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٣
حركي ﴿ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ﴾ [البقرة : ٩٩] إلى نفسك ﴿ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم : ٢٥] قال أبو علي : الباء زائدة أي هزي جذع النخلة ﴿ تُسَـاقِطْ عَلَيْكِ ﴾ [مريم : ٢٥] بإدغام التاء الأولى في الثانية مكى ومدني وشامي وأبو عمرو وعلي وأبو بكر والأصل تتساقط بإظهار التاءين وتساقط بفتح التاء والقاف وطرح التاء الثانية وتخفيف السين حمزة ويساقط بفتح الياء والقاف وتشديد السين يعقوب وسهل وحماد ونصير وتساقط حفص من المفاعلة وتُسقِطْ ويُسقِطْ وتَسقُطْ ويَسقُطْ التاء للنخلة والياء للجذع فهذه تسع قراءات ﴿ رُطَبًا ﴾ تمييز أو مفعول به على حسب القراءة ﴿ جَنِيًّا ﴾ طرياً وقالوا التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وقيل ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض من العسل ﴿ فَكُلِى ﴾ من الجني ﴿ وَاشْرَبِى ﴾ من السري ﴿ وَقَرِّى عَيْنًا ﴾ [مريم : ٢٦] بالولد الرضى وعينا تمييز أي طيبي نفساً بعيسى وارفضي عنك ما أحزنك ﴿ فَإِمَّا ﴾ أصله إن ما فضمت إن الشرطية إلى ما وأدغمت فيها ﴿ تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـانِ صَوْمًا ﴾ [مريم : ٢٦] أي فإن رأيت آدمياً يسألك عن حالك فقولي إني نذرت للرحمن صمتاً وإمساكاً عن الكلام وكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الأكل والشرب وقيل صياماً حقيقة وكان صيامهم فيه الصمت فكان إلتزامُه إلتزامَه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن صوم الصمت فصار ذلك منسوخاً فينا وإنما أمرت أن تنذر السكوت لأن عيسى عليه السلام يكفيها الكلام بما يبرىء به ساحتها ولئلا تجادل
٥٤
السفهاء وفيه دليل على أن السكوت عن السفيه واجب وما قُدعَ سفيه بمثل الإعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقد تسمى الإشارة كلاماً وقولاً ألا ترى أن قول الشاعر في وصف القبور * وتكلمت عن أوجه تبلى * وقيل كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام أو سوغ لها هذا القدر بالنطق ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾ [مريم : ٢٦] آدميا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٤


الصفحة التالية
Icon