﴿ مَا كَانَ لِلَّهِ ﴾ [مريم : ٣٥] ما ينبغي له ﴿ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ﴾ [مريم : ٣٥] جيء بمن لتأكيد النفي ﴿ سُبْحَـانَهُا ﴾ نزه ذاته عن اتخاذ الولد ﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران : ٤٧] بالنصب شامي أي كما قال : لعيسى كن فكان من غير أب ومن كان متصفاً بهذا كان منزها أن يشبه الحيوان الوالد ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ﴾ [مريم : ٣٦] بالكسر شامي وكوفي على الابتداء وهو من كلام عيسى يعني كما أنا عبده فأنتم عبيده على وعليكم أن نعبده ومن فتح عطف على بالصلاة أي وأوصاني بالصلاة وبالزكاة وبأن الله ربي وربكم أو علقه بما بعده أي لأن الله ربي وربكم فاعبدوه ﴿ هَـاذَا ﴾ الذي ذكرت ﴿ صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٤٢] فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ﴿ فَاخْتَلَفَ الاحْزَابُ ﴾ [مريم : ٣٧] الحزب الفرقة المنفردة برأيها عن غيرها وهم ثلاث فرق نسطورية ويعقوبية وملكانية ﴿ مِن بَيْنِهِمْ ﴾ [الزخرف : ٦٥] من بين أصحابه أو من بين قومه أو من بين الناس وذلك أن النصارى اختلفوا في عيسى حين رفع ثم اتفقوا على أن يرجعوا إلى قول ثلاثة كانوا عندهم أعلم أهل زمانهم وهم يعقوب ونسطور وملكان فقال يعقوب هو الله هبط إِلى الأرض ثم صعد إلى السماء وقال : نسطور كان ابن الله أظهره ما شاء ثم رفعه إليه وقال : الثالث كذبوا كان عبداً مخلوقاً نبياً فتبع كل واحد منهم قوم ﴿ فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [مريم : ٣٧] من الأحزاب إذ الواحد منهم على الحق ﴿ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [مريم : ٣٧] هو يوم القيامة أو من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وأن تشهد عليهم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٧
الملائكة والأنبياء وجوارحهم بالكفر أو من مكان الشهادة أو وقتها أو المراد يوم اجتماعهم للتشاور فيه وجعله عظيماً لفظاعة ما شهدوا به في عيسى ﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ﴾ [مريم : ٣٨] الجمهور على أن لفظه أمر ومعناه التعجب والله تعالى لا يوصف بالتعجب ولكن المراد أن إسماعهم وإبصارهم جدير بأن يتعجب
٥٧
منهما بعدما كانوا صما وعمياً في الدنيا قال قتادة : إن عموا وصموا عن الحق في الدنيا فما أسمعهم وما أبصرهم بالهدى يوم لا ينفعهم، وبهم مرفوع المحل على الفاعلية كأكرم بزيد فمعناه كرم زيد جداً ﴿ لَـاكِنِ الظَّـالِمُونَ الْيَوْمَ ﴾ [مريم : ٣٨] أقيم الظاهر مقام المضمر أي لكنهم اليوم في الدنيا بظلمهم أنفسهم حيث تركوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ووضعوا العبادة في غير موضعها ﴿ فِى ضَلَـالٍ ﴾ [الرعد : ١٤] عن الحق ﴿ مُّبِينٍ ﴾ ظاهر وهو اعتقادهم عيسى إلهاً معبوداً مع ظهور آثار الحدث فيه إشعاراً بأن لا ظلم أشد من ظلمهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٧
﴿ وَأَنذِرْهُمْ ﴾ خوفهم ﴿ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ﴾ [مريم : ٣٩] يوم القيامة لأنه يقع فيه الندم على مافات، وفي الحديث " إذا رأوا منازلهم في الجنة أن لو آمنوا " ﴿ إِذِ ﴾ بدل من يوم الحسرة أو ظرف للحسرة وهو مصدر ﴿ قُضِىَ الامْرُ ﴾ [يوسف : ٤١] فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار ﴿ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ ﴾ [الأنبياء : ١] هنا عن الاهتمام لذلك المقام ﴿ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم : ٣٩] لا يصدقون به وهم وهم حالان أي وأنذرهم على هذا الحال غافلين غير مؤمنين ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الارْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾ [مريم : ٤٠] أي نتفرد بالملك والبقاء عند تعميم الهلك والفناء وذكر من لتغليب العقلاء ﴿ وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم : ٤٠] بضم الياء وفتح الجيم وفتح الياء يعقوب أي يردون فيجازون جزاءً وفاقاً ﴿ وَاذْكُرْ ﴾ لقومك ﴿ فِى الْكِتَـابِ ﴾ [مريم : ٤١] القرآن ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ قصته مع أبيه ﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ﴾ [مريم : ٤١] بغير همز وهمزه نافع قيل الصادق المستقيم في الأفعال والصديق المستقيم في الأحوال فالصديق من أبنية المبالغة ونظيرة الضحيك والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله أي كان مصدقاً لجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبياً في نفسه وهذه الجملة وقعت اعتراضاً بين إبراهيم وبين ما هو بدل منه وهو
٥٨
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٨


الصفحة التالية
Icon