﴿ إِذْ قَالَ ﴾ وجاز أن يتعلق إذا بكان أو بصديقاً نبياً أي كان جامعاً لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه بتلك المخاطبات والمراد بذكر الرسول إياه وقصته في الكتاب أن يتلو ذلك على الناس ويبلغه إياهم كقوله واتل عليهم نبأ إبراهيم وإلا فالله عز وعلا هو ذاكره ومورده في تنزيله ﴿ لابِيهِ يَـا أَبَتِ ﴾ [يوسف : ٤] بكسر التاء وفتحها ابن عامر والتاء عوض من ياء الإضافة ولا يقال يا أبتي لئلا يجمع بين العوض والمعوض منه ﴿ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ ﴾ [مريم : ٤٢] المفعول فيهما منسي غير منوي ويجوز أن يقدر أي لا يسمع شيئاً ولا يبصر شيئاً ﴿ وَلا يُغْنِى عَنكَ شيئا ﴾ [مريم : ٤٢] يحتمل أن يكون شيئاً في موضع المصدر أي شيئاً من الإغناء وأن يكون مفعولاً به من قولك أغن عني وجهك أي بعد ﴿ شيئا * يَـا أَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ الْعِلْمِ ﴾ الوحي أو معرفة الرب ﴿ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾ [مريم : ٤٣] ما في ما لا يسمع وما لم يأتك يجوز أن تكون موصولة أو موصوفة ﴿ فَاتَّبِعْنِى أَهْدِكَ ﴾ [مريم : ٤٣] أرشدك ﴿ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم : ٤٣] مستقيماً ﴿ سَوِيًّا * يَـا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَـانَ ﴾ لا تطعه فيما سوَّل من عبادة الصنم ﴿ إِنَّ الشَّيْطَـانَ كَانَ لِلرَّحْمَـانِ عَصِيًّا ﴾ [مريم : ٤٤] عاصياً ﴿ إِلَيْكَ لاقْتُلَكَ إِنِّى أَخَافُ ﴾ قيل أَعلم ﴿ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَـانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم : ٤٥] قرينا في النار تليه ويليك فانظر في نصيحته كيف راعي المجاملة والرفق والخلق الحسن كما أمر ففي الحديث " أوحى إلى إبراهيم إنك حليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار " فطلب منه أولاً العلة في خطابه طلب منبه على تماديه موقظ لإفراطه وتناهيه لأن من يعبد أشرف الخلق منزلة وهم
٥٩
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٩
الأنبياء كان محكوماً عليه بالغي المبين فكيف بمن يعبد حجراً أو شجراً لا يسمع ذكر عابده ولا يرى هيئات عبادته ولا يدفع عنه بلاء ولا يقضي له حاجة ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقاً به متلطفاً فلم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق ولكنه قال : إن معي شيئاً من العلم ليس معك وذلك علم الدلالة على الطريق السوي فهب أني وإياك في مسير وعندي معرفة بالهداية دونك فاتبعني أنجك من أن تضل وتتيه ثم ثلث بنهيه عما كان عليه بأن الشيطان الذي عصى الرحمن الذي جميع النعم منه أوقعك في عبادة الصنم وزينها لك فأنت عابده في الحقيقة ثم ربَّع بتخويفه سوء العاقبة وما يجره ما هو فيه من التبعة والوبال مع مراعاة الأدب حيث لم يصرح بأن العقاب لاحق به وأن العذاب لاصق به بل قال : أخاق أن يمسك عذاب بالتنكير المشعر بالتقليل كأنه قال : إني أخاف أن يصيبك نَفَيان من عذاب الرحمن وجعل ولاية الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب في نفسه وصدر كل نصيحة بقوله يا أبت توسلاً إليه واستعطافاً وإشعاراً بوجوب احترام الأب وإن كان كافراً فثم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٩
﴿ قَالَ ﴾ آزر توبيخاً ﴿ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءَالِهَتِى يَـاإِبْرَاهِيمُ ﴾ [مريم : ٤٦-٥١] أي أترغب عن عبادتها فناداه باسمه ولم يقابل يا أبت بيابني وقدم الخبر على المبتدأ لأنه كان أهم عنده ﴿ لَـاـاِن لَّمْ تَنتَهِ ﴾ [مريم : ٤٦] عن شتم الأصنام لأقتلنك بالرجام أو لأضربنك بها حتى تتباعد أو لأشتمنك ﴿ لارْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى ﴾ [مريم : ٤٦] عطف على محذوف يدل عليه لأرجمنك تقديره فاحذرني واهجرني ﴿ مَلِيًّا ﴾ ظرف أي زماناً طويلاً من الملاوة ﴿ قَالَ سَلَـامٌ عَلَيْكَ ﴾ [مريم : ٤٧] سلام توديع ومتاركة أو تقريب وملاطفة ولذا وعده بالاستغفار بقوله :﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ﴾ [مريم : ٤٧] سأسأل الله أن يجعلك من أهل المغفرة بأن يهديك للإسلام ﴿ إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا ﴾ [مريم : ٤٧] ملطفاً بعموم النعم أو رحيماً أو مكرماً والحفاوة الرأفة والرحمة والكرامة
٦٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٠


الصفحة التالية
Icon