﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ ﴾ أراد بالاعتزال المهاجرة من أرض بابل إلى الشام ﴿ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [مريم : ٤٨] أي ما تعبدون من أصنامكم ﴿ وَادْعُوا ﴾ وأعبد ﴿ رَبِّى ﴾ ثم قال : تواضعاً وهضماً للنفس ومعرضاً بشقاوتها بدعاء آلهتهم ﴿ عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا ﴾ [مريم : ٤٨] أي كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [مريم : ٤٩] فلما اعتزل الكفار ومعبودهم ﴿ وَهَبْنَا لَهُا إِسْحَـاقَ ﴾ [مريم : ٤٩] ولداً ﴿ وَيَعْقُوبَ ﴾ نافلة ليستأنس بهما ﴿ وَكُلا ﴾ كل واحد منهما ﴿ جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴾ [مريم : ٤٩] أي لما ترك الكفار الفجار لوجهه عوضه أولاداً مؤمنين أنبياء ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُْم مِّن رَّحْمَتِنَا ﴾ [مريم : ٥٠] هي المال والولد ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ ﴾ [مريم : ٥٠] ثناء حسناً وهو الصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم في الصلوات وعبر باللسان عما يوجد باللسان كما عبر باليد عما يطلق باليد وهي العطية ﴿ عَلِيًّا ﴾ رفيعاً مشهوراً ﴿ وَاذْكُرْ فِى الْكِتَـابِ مُوسَى ا إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا ﴾ [مريم : ٥١] كوفي : غير المفضل، أي أخلصه الله واصطفاه، ومخلصا غيرهم أي أخلص هو العبادة لله تعالى فهو مخلص بماله من السعادة بأصل الفطرة ومخلص فيما عليه من العبادة بصدق الهمة ﴿ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا ﴾ [مريم : ٥١] الرسول الذي معه كتاب من الأنبياء والنبي الذي ينبيء عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب كيوشع ﴿ وَنَـادَيْنَـاهُ ﴾ دعوناه وكلمناه ليلة الجمعة ﴿ مِن جَانِبِ الطُّورِ ﴾ [مريم : ٥٢] هو جبل بين مصر ومدين ﴿ الايْمَنِ ﴾ من اليمين أي من ناحية اليمين والجمهور على أن المراد
٦١
أيمن موسى عليه السلام لأن الجبل لا يمين له والمعنى أنه حين أقبل من مدين يريد مصر نودي من الشجرة وكانت في جانب الجبل على يمين موسى عليه السلام ﴿ وَقَرَّبْنَـاهُ ﴾ تقريب منزلة ومكانة لا منزل ومكان ﴿ نَجِيًّا ﴾ حال أي مناجياً كنديم بمعنى منادم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦١
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ ﴾ من أجل رحمتنا له وترؤفنا عليه ﴿ أَخَاهُ ﴾ مفعول ﴿ هَـارُونَ ﴾ بدل منه ﴿ نَبِيًّا ﴾ حال أي وهبنا له نبوة أخيه وإلا فهارون كان أكبر سناً منه ﴿ وَاذْكُرْ فِى الْكِتَـابِ إِسْمَـاعِيلَ ﴾ [مريم : ٥٤] هو ابن إبراهيم في الأصح ﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ﴾ [مريم : ٥٤] وافيه واعد رجلاً أن يقيم مكانه حتى يعود إليه فانتظره سنة في مكانه حتى عاد وناهيك أنه وعد من نفسه الصبر على الذبح فوفي وقيل لم يعد ربه موعداً إلا أنجزه وإنما خصه بصدق الوعد وإن كان موجوداً في غيره من الأنبياء تشريفاً له ولأنه المشهور من خصاله ﴿ وَكَانَ رَسُولا ﴾ [مريم : ٥١] إلى جرهم ﴿ نَبِيًّا ﴾ مخبراً منذراً ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ ﴾ [مريم : ٥٥] أمته لأن النبي أبو أمته وأهل بيته وفيه دليل على أنه لم يداهن غيره ﴿ وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا ﴾ [مريم : ٣١] يحتمل أنه إنما خصت هاتان العبادتان لأنهما أما العبادات البدنية والمالية ﴿ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم : ٥٥] قرئ مرضوا على الأصل ﴿ وَاذْكُرْ فِى الْكِتَـابِ إِدْرِيسَ ﴾ [مريم : ٥٦] هو أخنوخ أول مرسل بعد آدم عليه السلام وأول من خط بالقلم وخاط اللباس ونظر في علم النجوم والحساب واتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل وقولهم سمى به لكثرة دراسته كتاب الله لا يصح لأنه لو كان إفعيلاً من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفاً فامتناعه من الصرف دليل العجمة ﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ﴾ [مريم : ٤١] أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ﴿ وَرَفَعْنَـاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ [مريم : ٥٧] هو شرف النبوة والزلفى عند الله وقيل معناه رفعته الملائكة إلى السماء الرابعة وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة المعراج فيها وعن الحسن إلى
٦٢
الجنة لا شيء أعلى من الجنة وذلك أنه حبب لكثرة عبادته إلى الملائكة فقال : لملك الموت أذقني الموت يهن عليّ ففعل ذلك بإذن الله فحيى وقال : أدخلني النار أزدد رهبة ففعل ثم قال : أدخلني الجنة أزدد رغبة ثم قال له : أخرج فقال : قد ذقت الموت وردت النار فما أنا بخارج من الجنة فقال الله عز وجل : بإذني فعل وبإذني دخل فدعه