يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بإرخائها والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف الله جنته بذلك وقيل أراد دوام الرزق كما تقوم أنا عند فلان بكرة وعشياً تريد الدوام
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٤
﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [مريم : ٦٣] أي نجعلها ميراث أعمالهم يعني ثمرتها وعاقبتها وقيل يرثون المساكن التي كانت لأهل النار وآمنوا لأن الكفر موت حكماً ﴿ مَن كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم : ٦٣] عن الشرك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام قال :" يا جبريل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا " فنزل ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾ [مريم : ٦٤] والتنزل على معنيين معنى النزول على مهل ومعنى النزول على الإطلاق والأول أليق هنا يعني أن نزولنا في الأحايين وقتاً غب وقت ليس إلا بأمر الله ﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَالِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم : ٦٤] أي له ما قدامنا وما خلفنا من الأماكن وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من مكان إلى مكان إلا بأمر الملك ومشيئته وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون وما يحدث من الأحوال لا تجوز عليه الغفلة والنسيان فأني لنا أن نتقلب في ملكوته إلا إذا أذن لنا فيه ﴿ رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ [مريم : ٦٥] بدل من ربك أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السماوات والأرض ثم قال : لرسوله لما عرفت أنه متصف بهذه الصفات ﴿ فَاعْبُدْهُ ﴾ فاثبت على عبادته ﴿ وَاصْطَبِرْ لِعِبَـادَتِهِ ﴾ [مريم : ٦٥] أي اصبر على مكافأة الحسود، لعبادة المعبود، واصبر على المشاق، لأجل عبادة الخلاق، أي لتتمكن من الإتيان بها ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم : ٦٥] شبيها ومثلاً أو هل يسمى أحد باسم الله غيره لأنه مخصوص بالمعبود بالحق أي إذا صح أن لا معبود توجه إليه العباد العبادة إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها
٦٥
فت أبيَّ بن خلف عظماً وقال : أنبعث بعد ما صرنا كذلك فنزل :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٥
﴿ وَيَقُولُ الانسَـانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ﴾ والعامل في إذا ما دل عليه الكلام وهو أبعث أي إذا مامت أبعث وانتصابه بأخرج ممتنع لأن ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبلها فلا تقول اليوم لزيد قائم ولام الابتداء الداخلة على المضارع تعطى معنى الحال وتؤكد مضمون الجملة فلما جامعت حرف الاستقبال خلصت للتوكيد واضمحل معنى الحال وما في إذا ماللتوكيد أيضاً فكأنه قال : أحقًّا إنا سنخرج من القبور أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك على وجه الاستنكار والاستبعاد وتقديم الظرف وإيلائه حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة ومنه جاء إنكارهم ﴿ أَوَلا يَذْكُرُ الانسَـانُ ﴾ خفيف شامي ونافع وعاصم من الذكر والسائر بتشديد الذال والكاف وأصله يتذكر كقراءة أبيّ فأدغمت التاء في الذال أي أو لا يتدبر والواو عطفت لا يذكر على يقول ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذلك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر النشأة الأخرى فإن تلك أدل على قدرة الخالق حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود وأما الثانية فليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة وردها إلى ما كَانتَ عليه مجموعة بعد التفريق ﴿ أَنَّا خَلَقْنَـاهُ مِن قَبْلُ ﴾ [مريم : ٦٧] من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه ﴿ وَلَمْ يَكُ شيئا ﴾ [مريم : ٦٧] هو ذليل على ما بينا وعلى أن المعدوم ليس بشيء خلافاً للمعتزلة ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ ﴾ [مريم : ٦٨] أي الكفار المنكرين للبعث ﴿ وَالشَّيَـاطِينَ ﴾ الواو للعطف وبمعنى مع أوقع أي يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة وفي أقسام الله باسمه ومضافاً إلى رسوله تفخيم لشأن رسوله ﴿ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴾ [مريم : ٦٨] حال جمع جاث أي بارك على الركب ووزنه فعول لأن أصله جثوو كسجود وساجد أي يعتلون من المحشر إلى شاطىء جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف جثاة على ركبهم غير مشاة على أقدامهم
٦٦


الصفحة التالية
Icon