وأقام عنده ثمان عشرة سنة بعدها حتى ولد له أولاد.
﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَـامُوسَى ﴾ أي موعد ومقدار للرسالة وهو أربعون سنة ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى ﴾ [طه : ٤١] اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي لتتصرف على إرادتي ومحبتي.
قال الزجاج : اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨٤
﴿ اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ ﴾ بمعجزاتي ﴿ بِـاَايَـاتِى وَلا تَنِيَا ﴾ [طه : ٤٢] تفترا من الوني وهو الفتور والتقصير ﴿ فِى ذِكْرِى ﴾ أي اتخذا ذكري جناحاً تطيران به أو أريد بالذكر تبليغ الرسالة فالذكر يقع على سائر العبادات وتبليغ الرسالة من أعظمها ﴿ اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ ﴾ [طه : ٤٣] كرر لأن الأول مطلق والثاني مقيد ﴿ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه : ٢٤] جاوز الحد بإدعائه الربوبية ﴿ فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا ﴾ [طه : ٤٤] الطفا له في القول لما له من حق تربية موسى، أو كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث : أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة.
أو عداه شباباً لا يهرم بعده وملكاً لا ينزع عنه إلا بالموت، أو هو قوله ﴿ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ (النازعات : ٩١) فظاهره الإستفهام والمشورة ﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ﴾ [طه : ٤٤] أي يتعظ ويتأمل فيذعن للحق ﴿ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : ٤٤] أي يخاف أن يكون الأمر كما تصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة.
وإنما قال ﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ﴾ [طه : ٤٤] مع علمه أنه لا يتذكر لأن الترجي لهما، أي إذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرمن يطمع أن يثمر عمله.
وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة.
وقيل : معناه لعله يتذكر متذكر أو يخشى خاش وقد كان ذلك من كثير من الناس.
وقيل :﴿ لَعَلَّ ﴾ من الله تعالى واجب وقد تذكر ولكن حين لم ينفعه التذكر.
وقيل : تذكر فرعون وخشي وأراد اتباع موسى فمنعه هامان وكان لا يقطع أمراً دونه.
وتليت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال : هذا رفقك بمن يقول أنا إله فكيف بمن قال أنت الإله؟ وهذا رفقك بمن قال أنا ربكم الأعلى فكيف بمن قال سبحان ربي الأعلى.
٨٥
﴿ قَالا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ ﴾ [طه : ٤٥] يعجل علينا بالعقوبة ومنه الفارط يقال فرط عليه أي عجل ﴿ أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ [طه : ٤٥] يجاوز الحد في الإساءة إلينا ﴿ قَالَ لا تَخَافَآ إِنَّنِى مَعَكُمَآ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨٤
طه : ٤٦] أي حافظكما وناصركما ﴿ أَسْمَعُ ﴾ أقوالكما ﴿ وَأَرَى ﴾ أفعالكما.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فأمنع لست بغافل عنكما فلاتهتما ﴿ فَأْتِيَاهُ ﴾ أي فرعون ﴿ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ﴾ [طه : ٤٧] إليك ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [طه : ٤٧] أي أطلقهم عن الاستعباد والاسترقاق ﴿ وَلا تُعَذِّبْهُمْ ﴾ [طه : ٤٧] بتكليف المشاق ﴿ قَدْ جِئْنَـاكَ بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكَ ﴾ [طه : ٤٧] بحجة على صدق ما ادعيناه، وهذه الجملة جارية من الجملة الأولى ـــــ وهي ﴿ إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ﴾ [طه : ٤٧] ـــــ مجرى البيان والتفسير والتفصيل لأن دعوى الرسالة لا تثبث إلا ببينتها وهي المجيء بالآي فقال فرعون : وما هي؟ فأخرج يده لها شعاع كشعاع الشمس ﴿ وَالسَّلَـامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ [طه : ٤٧] أي سلم من العذاب من أسلم وليس بتحية.
وقيل : وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين.
﴿ إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَآ أَنَّ الْعَذَابَ ﴾ [طه : ٤٨] في الدنيا والعقبى ﴿ عَلَى مَن كَذَّبَ ﴾ [طه : ٤٨] بالرسل ﴿ وَتَوَلَّى ﴾ أعرض عن الإيمان وهي أرجى آي القرآن لأنه جعل جنس السلام للمؤمن وجنس العذاب على المكذب وليس وراء الجنس شيء، فأتياه وأديا الرسالة وقالا له ما أمرا به.
﴿ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَـامُوسَى ﴾ خاطبهما ثم نادى أحدهما لأن موسى هو الأصل في النبوة وهارون تابعه ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ ﴾ [طه : ٥٠] ﴿ خَلْقَهُ ﴾ أول مفعولي ﴿ أَعْطَى ﴾ أي أعطى
٨٦