خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، أو ثانيهما أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذا الأنف والرجل واليد كل واحد منها مطابق للمنفعة المنوطة بها، وقرأ نصير ﴿ خَلْقَهُ ﴾ صفة للمضاف أو للمضاف إليه أي أعطى كل شيء مخلوق عطاء ﴿ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه : ٥٠] عرف كيف يرتفق بما أعطى للمعيشة في الدنيا والسعادة في العقبى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨٤
﴿ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاولَى ﴾ [طه : ٥١] فما حال الأمم الحالية والرمم البالية، سأله عن حال من تقدم من القرون وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد ﴿ قَالَ ﴾ موسى مجيباً ﴿ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى ﴾ [طه : ٥٢] مبتدأ وخبر ﴿ فِي كِتَـابِ ﴾ [الانفال : ٧٥] أي اللوح خبر ثانٍ أي هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به لا يعلمه إلا هو وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب، وعلم أحوال القرون مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ ﴿ لا يَضِلُّ رَبِّى ﴾ [طه : ٥٢] أي لا يخطيء شيئاً يقال : ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له أي لا يخطيء في سعادة الناس وشقاوتهم ﴿ وَلا يَنسَى ﴾ [طه : ٥٢] ثوابهم وعقابهم.
وقيل : لا ينسى ما علم فيذكره الكتاب ولكن ليعلم الملائكة أن معمول الخلق يوافق معلومه.
﴿ الَّذِى ﴾ مرفوع صفة لـ ﴿ رَبِّى ﴾ أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨٧
﴿ جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا ﴾ [الزخرف : ١٠] كوفي وغيرهم ﴿ مَهْدًا ﴾ وهما لغتان لما يبسط ويفرش ﴿ وَسَلَكَ ﴾ أي جعل ﴿ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا ﴾ [الزخرف : ١٠] طرقاً ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً ﴾ [البقرة : ٢٢] أي مطراً ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ﴾ [طه : ٥٣] بالماء.
نقل الكلام من الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للافتنان.
وقيل : تم كلام موسى ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ﴾ [طه : ٥٣] وقيل : هذا كلام موسى أي فأخرجنا نحن بالحراثة والغرس ﴿ أَزْوَاجًا ﴾ أصنافاً ﴿ مِّن نَّبَاتٍ ﴾ [طه : ٥٣] هو مصدر سمي به النابت فاستوى فيه الواحد والجمع ﴿ شَتَّى ﴾ صفة للأزواج أو للنبات جمع شتيت كمريض ومرضى أي إنها مختلفة النفع واللون والرائحة والشكل بعضها
٨٧
للناس وبعضها للبهائم، ومن نعمة الله تعالى أن أرزاقنا تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجاتنا مما لا نقدر على أكله قائلين ﴿ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَـامَكُمْ ﴾ [طه : ٥٤] حال من الضمير في ﴿ فَأَخْرَجْنَا ﴾ والمعنى أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ ﴾ [السجدة : ٢٦] في الذي ذكرت ﴿ لايَـاتٍ ﴾ لدلالات ﴿ لاوْلِى النُّهَى ﴾ [طه : ٥٤] لذوي العقول واحدها نهية لأنها تنهى عن المحظور أو ينتهى إليها في الأمور ﴿ مِّنْهَا ﴾ من الأرض ﴿ خَلَقْنَـاكُمْ ﴾ أي أباكم آدم عليه السلام.
وقيل : يعجن كل نطفة بشيء من تراب مدفنه فيخلق من التراب والنطفة معاً أو لأن النطفة من الأغذية وهي من الأرض ﴿ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ [طه : ٥٥] إذا متم فدفنتم ﴿ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ ﴾ [طه : ٥٥] عند البعث ﴿ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه : ٥٥] مرة أخرى والمراد بإخراجهم أنه يؤلف أجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب ويردهم كما كانوا أحياء ويخرجهم إلى المحشر، عدد الله عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم حيث جعلها لهم فراشاً ومهاداً يتقلبون عليها، وسوى لهم فيها مسالك يترددون فيها كيف شاؤوا، وأنبت فيها أصناف النبات التي منها أقواتهم وعلوفات بهائمهم وهي أصلهم الذي منه تفرعوا، وأمهم التي منها ولدوا وهي كفانهم إذا ماتوا.
﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَـاهُ ﴾ [طه : ٥٦] أي فرعون ﴿ كُلَّهَا فَكَذَّبَ ﴾ [طه : ٥٦] وهي تسع آيات : العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفادع والدم ونتق الجبل ﴿ فَكَذَّبَ ﴾ الآيات ﴿ وَأَبَى ﴾ قبول الحق ﴿ قَالَ ﴾ فرعون ﴿ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا ﴾ [طه : ٥٧] مصر ﴿ بِسِحْرِكَ يَـامُوسَى ﴾ فيه دليل على أنه خاف منه خوفاً شديداً وقوله ﴿ بِسِحْرِكَ ﴾ تعلل وإلا فأي ساحر يقدر أن يخرج ملكاً من أرضه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨٧


الصفحة التالية
Icon