قال : فعرضته على المبرد فرضيه وقد زيفه أبو عليّ.
﴿ لَسَـاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم ﴾ [طه : ٦٣] مصر ﴿ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ﴾ [طه : ٦٣] بدينكم وشريعتكم ﴿ الْمُثْلَى ﴾ الفضلى تأنيث الأمثل وهو الأفضل ﴿ فَأَجْمِعُوا ﴾ فأحكموا أي اجعلوه مجمعاً عليه حتى لا تختلفوا ﴿ فَأَجْمِعُوا ﴾ أبو عمرو ويعضده ﴿ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ﴾ [طه : ٦٠] ﴿ كَيْدَكُمْ ﴾ هو ما يكاد به ﴿ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ﴾ [طه : ٦٤] مصطفين حال أمروا بأن يأتوا صفاً لأنه أهيب في صدور الرائين ﴿ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ﴾ [طه : ٦٤] وقد فاز من غلب وهو اعتراض.
﴿ قَالُوا ﴾ أي السحرة ﴿ يَـامُوسَى إِمَّآ أَن تُلْقِىَ ﴾ [الأعراف : ١١٥] عصاك أولاً
٩٠
﴿ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ﴾ [طه : ٦٥] ما معنا وموضع " أن " مع ما بعده فيهما نصب بفعل مضمر، أو رفع بأنه خبر مبتدأ محذوف معناه اختر أحد الأمرين، أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا.
وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وكأنه تعالى ألهمهم ذلك وقد وصلت إليهم بركته وعلم موسى اختيار إلقائهم أولاً حتى ﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ﴾ [طه : ٦٦] أنتم أولاً ليبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويظهر الله سلطانه ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه، ويسلط المعجزة على السحر فتمحقه فيصير آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين فألقوا ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ ﴾ [طه : ٦٦] يقال في ﴿ إِذَآ ﴾ هذه : إذا المفاجأة والتحقيق أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها، وخصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير والتقدير : ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي ﴿ يُخَيَّلُ ﴾ وبالتاء : ابن ذكوان ﴿ إِلَيْهِ ﴾ إلى موسى ﴿ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه : ٦٦] رفع بدل اشتمال من الضمير في ﴿ يُخَيَّلُ ﴾ أي يخيل الملقى.
روي أنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيلت ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٠
﴿ فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ﴾ [طه : ٦٧] أضمر في نفسه خوفاً ظنًّا منه أنها تقصده للجبلة البشرية أو خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه ﴿ قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعْلَى ﴾ [طه : ٦٨] الغالب القاهر.
وفي ذكر " إن " و " أنت " وحرف التعريف ولفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة مبالغة بينة.
﴿ وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ ﴾ [طه : ٦٩] بسكون اللام والفاء وتخفيف القاف : حفص و ﴿ تَلْقَفْ ﴾ : ابن ذكوان، الباقون ﴿ تَلْقَفْ ﴾ ﴿ مَا صَنَعُوا ﴾ [طه : ٦٩] زوراً وافتعلوا أي اطرح عصاك تبتلع عصيهم وحبالهم.
ولم يقل عصاك تعظيماً لها أي لا تحتفل بما صنعوا فإن ما في يمينك أعظم منها، أو تحقيراً أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد
٩١
الذي في يمينك فإنه بقدرتنا يتلقفها على وحدته وكثرتها ﴿ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَـاحِرٍ ﴾ [طه : ٦٩] كوفي غير عاصم سحر بمعنى ذي سحر أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في السحر كأنهم السحر، و ﴿ كَيْدُ ﴾ بالرفع على القراءتين و " ما " موصولة أو مصدرية.
وإنما وحد ﴿ سَـاحِرٌ ﴾ ولم يجمع لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد، فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله ﴿ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ ﴾ [طه : ٦٩] أي هذا الجنس ﴿ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه : ٦٩] أينما كان فألقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا فلعظم ما رأوا من الآية وقعوا إلى السجود فذلك قوله ﴿ فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا ﴾ [طه : ٧٠] قال الأخفش : من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا فما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين.
روي أنهم رأوا الجنة ومنازلهم فيها في السجود فرفعوا رؤوسهم ثم ﴿ قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ هَـارُونَ وَمُوسَى ﴾ [طه : ٧٠] وإنما قدم " هارون " هنا وأخر في الشعراء محافظة للفاصلة ولأن الواو لا توجب ترتيباً ﴿ قَالَ ءَامَنتُمْ ﴾ [طه : ٧١] بغير مد : حفص، وبهمزة ممدودة : بصري وشامي وحجازي، وبهمزتين : غيرهم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٠