﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ ﴾ [طه : ٨٨] السامري من الحفرة ﴿ عِجْلا ﴾ خلقه الله تعالى من الحلي التي سبكتها النار ابتلاء ﴿ جَسَدًا ﴾ مجسداً ﴿ لَّهُ خُوَارٌ ﴾ [الأعراف : ١٤٨] صوت وكان يخور كما تخور العجاجيل ﴿ فَقَالُوا ﴾ أي السامري وأتباعه ﴿ هَـاذَآ إِلَـاهُكُمْ وَإِلَـاهُ مُوسَى ﴾ [طه : ٨٨] فأجاب عامتهم إلا اثني عشر ألفاً ﴿ فَنَسِىَ ﴾ أي فنسي موسى ربه هنا وذهب يطلبه عند الطور، أو هو ابتداء كلام من الله تعالى أي نسي السامري ربه وترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر، أو نسي السامري الاستدلال على أن العجل لا يكون إلهاً بدليل قوله ﴿ أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ ﴾ [طه : ٨٩] أي أنه لا يرجع ف ﴿ ءَانٍ ﴾ مخففة من الثقيلة ﴿ إِلَيْهِمْ قَوْلا ﴾ [طه : ٨٩] أي لا يجيبهم ﴿ وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا ﴾ [طه : ٨٩] أي هو عاجز عن الخطاب والضر والنفع فكيف تتخذونه إلهاً وقيل : إنه ما خار إلا مرة ﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ ﴾ [طه : ٩٠] لمن عبدوا العجل ﴿ هَـارُونُ مِن قَبْلُ ﴾ [طه : ٩٠] من قبل رجوع موسى إليهم ﴿ يَـاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ﴾ [طه : ٩٠] ابتليتم بالعجل فلا تعبدوه ﴿ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـانُ ﴾ [طه : ٩٠] لا العجل ﴿ فَاتَّبِعُونِى ﴾ كونوا على ديني الذي هو الحق ﴿ وَأَطِيعُوا أَمْرِى ﴾ [طه : ٩٠] في ترك عبادة العجل ﴿ قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَـاكِفِينَ ﴾ [طه : ٩١] أي لن نزال مقيمين على العجل وعبادته ﴿ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴾ [طه : ٩١] فننظره هل يعبده كما عبدناه وهل صدق السامري أم لا.
فلما رجع موسى ﴿ قَالَ يَـاهَـارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ﴾ بعبادة العجل.
٩٧
﴿ أَلا تَتَّبِعَنِ ﴾ [طه : ٩٣] بالياء في الوصل والوقف : مكي، وافقه أبو عمرو ونافع في الوصل، وغيرهم بلا ياء أي ما دعاك إلى ألا تتبعني لوجود التعلق بين الصارف عن فعل الشي وبين الداعي إلى تركه.
وقيل :" لا " مزيدة والمعنى أي شيء منعك أن تتبعني حين لم يقبلوا قولك وتلحق بي وتخبرني؟ أو ما منعك أن تتبعني في الغضب لله، وهلا قاتلت من كفر بمن آمن ومالك لم تباشر الأمر كما كنت أباشره أنا لو كنت شاهداً؟
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٦
﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى ﴾ [طه : ٩٣] أي الذي أمرتك به من القيام بمصالحهم.
ثم أخذ بشعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله عضباً وإنكاراً عليه لأن الغيرة في الله ملكته ﴿ قَالَ يَبْنَؤُمَّ ﴾ [طه : ٩٤] وبخفض الميم : شامي وكوفي غير حفص، وكان لأبيه وأمه عند الجمهور ولكنه ذكر الأم استعطافاً وترفيقاً ﴿ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلا بِرَأْسِى ﴾ [طه : ٩٤] ثم ذكر عذره فقال ﴿ إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ ﴾ [طه : ٩٤] إن قاتلت بعضهم ببعض ﴿ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [طه : ٩٤] أو خفت أن تقول إن فارقتهم واتبعتك ولحق بي فريق وتبع السامري فريق :﴿ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [طه : ٩٤] ﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ ﴾ [طه : ٩٤] ولم تحفظ ﴿ قَوْلِي ﴾ اخلفني في قومي وأصلح.
وفيه دليل على جواز الاجتهاد.
ثم أقبل موسى على السامري منكراً عليه حيث ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ ﴾ [طه : ٩٥] ما أمرك الذي تخاطب عليه؟ ﴿ يَـاسَـامِرِيُّ ﴾ ﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ﴾ [طه : ٩٦] وبالتاء : حمزة وعلي، وقال الزجاج : بصر علم وأبصر نظر أي علمت ما لم يعلمه بنو اسرائيل.
قال موسى : وما ذاك؟ قال : رأيت جبريل على فرس الحياة فألقي في نفسي أن أقبض من أثره فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ولحم ودم ﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ﴾ [طه : ٩٦] القبضة المرة من القبض وإطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر لـ " ضرب " الأمير.
وقريء ﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ﴾ فالضاد بجميع الكف والصاد بأطراف الأصابع ﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ﴾ [طه : ٩٦] أي من أثر فرس الرسول وقريء بها ﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾ فطرحتها في جوف العجل
٩٨
﴿ وَكَذَالِكَ سَوَّلَتْ ﴾ [طه : ٩٦] زينت ﴿ لِى نَفْسِى ﴾ [طه : ٩٦] أن أفعله ففعلته اتباعاً لهواي وهو اعتراف بالخطأ واعتذار.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٦


الصفحة التالية
Icon