﴿ قَالَ ﴾ له موسى ﴿ فَاذْهَبْ ﴾ من بيننا طريداً ﴿ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ ﴾ [طه : ٩٧] ما عشت ﴿ أَن تَقُولَ ﴾ [طه : ٩٤] لمن أراد مخالطتك جاهلاً بحالك ﴿ لا مِسَاسَ ﴾ [طه : ٩٧] أي لا يمسني أحد ولا أمسه فمنع من مخالطة الناس منعاً كلياً وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته، وإذا اتفق أن يماس أحداً حم الماس والممسوس.
وكان يهيم في البرية يصيح لا مساس ويقال : إن ذلك موجود في أولاده إلى الان.
وقيل : أراد موسى عليه السلام أن يقتله فمنعه الله تعالى منه لسخائه ﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ﴾ [طه : ٩٧] أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ينجزه لك في الآخرة بعدما عاقبك بذاك في الدنيا ﴿ لَّن تُخْلَفَهُ ﴾ [طه : ٩٧] مكي وأبو عمر وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفاً ﴿ وَانظُرْ إِلَى إِلَـاهِكَ الَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ ﴾ [طه : ٩٧] وأصله ظللت فحذف اللام الأولى تخفيفاً ﴿ عَاكِفًا ﴾ مقيماً ﴿ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ﴾ بالنار ﴿ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ ﴾ [طه : ٩٧] لنذرينه ﴿ فِى الْيَمِّ نَسْفًا ﴾ [طه : ٩٧] فحرقه وذراه في البحر فشرب بعضهم من مائة حباً له فظهرت على شفاههم صفرة الذهب.
﴿ إِنَّمَآ إِلَـاهُكُمُ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه : ٩٨] تمييز أي وسع علمه كل شيء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٩
ومحل الكاف في ﴿ كَذَالِكَ ﴾ نصب أي مثل ما اقتصصنا عليك قصة موسى وفرعون ﴿ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنابَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ ﴾ [طه : ٩٩] من أخبار الأمم الماضية تكثيراً لبيناتك وزيادة في معجزاتك ﴿ وَقَدْ ءَاتَيْنَـاكَ ﴾ [طه : ٩٩] أي أعطيناك ﴿ مِن لَّدُنَّا ﴾ [النساء : ٦٧] من عندنا ﴿ ذِكْرًا ﴾ قرآناً فهو ذكر عظيم وقرآن كريم فيه النجاة لمن أقبل عليه، وهو مشتمل على الأقاصيص والأخبار الحقيقة بالتفكر والاعتبار
٩٩
﴿ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ﴾ [طه : ١٠٠] عن هذا الذكر وهو القرآن ولم يؤمن به ﴿ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وِزْرًا ﴾ [طه : ١٠٠] عقوبة ثقيلة سماها وزراً تشبيهاً في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الثقيل الذي ينقض ظهره ويلقى عليه بهره، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم ﴿ خَـالِدِينَ ﴾ حال من الضمير في ﴿ يَحْمِلُ ﴾ وإنما جمع على المعنى ووحد في ﴿ فَإِنَّهُ ﴾ حملاً على لفظ من ﴿ فِيهِ ﴾ في الوزر أي في جزاء الوزر وهو العذاب ﴿ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ حِمْلا ﴾ [طه : ١٠١] ساء في حكم بئس وفيه مبهم يفسره ﴿ حِمْلا ﴾ وهو تمييز واللام في ﴿ لَهُمُ ﴾ للبيان كما في ﴿ هَيْتَ لَكَ ﴾ [يوسف : ٢٣] (يوسف : ٣٢) والمخصوص بالذم محذوف لدلالة الوزر السابق عليه تقديره ساء الحمل حملاً وزرهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٩
﴿ يَوْمَ يُنفَخُ ﴾ [الأنعام : ٧٣] بدل من ﴿ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [القيامة : ٦]، أبو عمرو ﴿ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ ﴾ [ق : ٢٠] القرن أو هو جمع صورة أي ننفخ الأرواح فيها دليله قراءة قتادة الصور بفتح الوّاو جمع صورة ﴿ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَـاـاِذٍ زُرْقًا ﴾ [طه : ١٠٢] حال أي عمياً كما قال ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا ﴾ [الإسراء : ٩٧] (الإسراء : ٧٩) وهذا لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق ﴿ يَتَخَـافَتُونَ ﴾ يتسارون ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يقول بعضهم لبعض سراً لهول ذلك اليوم ﴿ إِن لَّبِثْتُمْ ﴾ [طه : ١٠٣] ما لبثتم في الدنيا ﴿ إِلا عَشْرًا ﴾ [طه : ١٠٣] أي عشر ليال يستقصرون مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر، لأن أيام السرور قصار، أو لأنها ذهبت عنهم والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء، أو لاستطالتهم الآخرة لأنها أبداً يستقصر إليها عمر الدنيا ويتقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة، وقد رجح الله قول من يكون أشد تقالاً منهم بقوله ﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً ﴾ [طه : ١٠٤] أعد لهم قولاً
١٠٠
﴿ إِن لَّبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا ﴾ [طه : ١٠٤] وهو كقوله ﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْـاَلِ الْعَآدِّينَ ﴾ [المؤمنون : ١١٣] (المؤمنون : ٣١١).


الصفحة التالية
Icon