﴿ وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ ﴾ [طه : ١٠٥] سألوا النبي صلى الله عليه وسلّم ما يصنع بالجبال يوم القيامة؟ وقيل : لم يسئل وتقديره إن سألوك ﴿ فَقُلْ ﴾ ولذا قرن بالفاء بخلاف سائر السؤالات مثل قوله ﴿ وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ [البقرة : ٢٢٢] (البقرة : ٢٢٢) وقوله ﴿ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْيَتَـامَى قُلْ ﴾ [البقرة : ٢٢٠] (البقرة : ٠٢٢) و ﴿ يَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢١٩] (البقرة : ٩١٢) ﴿ يَسْـاَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـاـاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ﴾ [الأعراف : ١٨٧] (الأعراف : ٧٨١) ﴿ وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ ﴾ [الإسراء : ٨٥] (الإسراء : ٥٨) ﴿ وَيَسْـاَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا ﴾ [الكهف : ٨٣] (الكهف : ٣٨) لأنها سؤالات تقدمت فورد جوابها ولم يكن فيها معنى الشرط فلم يذكر الفاء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٩
﴿ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا ﴾ [طه : ١٠٥] أي يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذري الطعام.
وقال الخليل : يقلعها ﴿ فَيَذَرُهَا ﴾ فيذر مقارها أو يجعل الضمير للأرض للعلم بها كقوله ﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا ﴾ [فاطر : ٤٥] (فاطر : ٥٤) ﴿ قَاعًا صَفْصَفًا ﴾ [طه : ١٠٦] مستوية ملساء ﴿ لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ﴾ [طه : ١٠٧] انخفاضاً ﴿ وَلا أَمْتًا ﴾ [طه : ١٠٧] ارتفاعاً والعوج بالكسر إن كان في المعاني كما أن المفتوح في الأعيان والأرض عين، ولكن لما استوت الأرض استواء لا يمكن أن يوجد فيها اعوجاج بوجه ما وإن دقت الحيلة ولطفت جرت مجرى المعاني ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال أي يوم إذ نسفت وجاز أن يكون بدلاً بعد بدل من يوم القيامة ﴿ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ ﴾ [طه : ١٠٨] إلى المحشر أي صوت الداعي وهو إسرافيل حين ينادي على صخرة بيت المقدس : أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلمي إلى عرض الرحمن فيقبلون من كل أوب
١٠١
إلى صوبه لا يعدلون عنه ﴿ لا عِوَجَ لَهُ ﴾ [طه : ١٠٨] أي لا يعوج له مدعو بل يستوون إليه من غير انحراف متبعين لصوته ﴿ وَخَشَعَتِ ﴾ وسكنت ﴿ الاصْوَاتُ لِلرَّحْمَـانِ ﴾ [طه : ١٠٨] هيبة وإجلالاً ﴿ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ﴾ [طه : ١٠٨] صوتاً خفيفاً لتحريك الشفاه.
وقيل : هو من همس الإبل وهو صوت أخفافها إذا مشت أي لا تسمع إلا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٩٩
﴿ يَوْمَـاـاِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ ﴾ [طه : ١٠٩] محل من رفع على البدل من ﴿ الشَّفَـاعَةَ ﴾ بتقدير حذف المضاف أي لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن أي أذن للشافع في الشفاعة ﴿ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلا ﴾ [طه : ١٠٩] أي رضي قولاً لأجله بأن يكون المشفوع له مسلماً أو نصب على أنه مفعول ﴿ تَنفَعُ ﴾ ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [البقرة : ٢٥٥] أي يعلم ما تقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه ﴿ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه : ١١٠] أي بما أحاط به علم الله فيرجع الضمير إلى " ما " أو يرجع الضمير إلى الله لأنه تعالى ليس بمحاط به ﴿ وَعَنَتِ ﴾ خضعت وذلت ومنه قيل للأسير : عانٍ ﴿ الْوُجُوهُ ﴾ أي أصحابها ﴿ لِلْحَىِّ ﴾ الذي لا يموت وكل حياة يتعقبها الموت فهي كأن لم تكن ﴿ الْقَيُّومِ ﴾ الدائم القائم على كل نفس بما كسبت أو القائم بتدبير الخلق ﴿ وَقَدْ خَابَ ﴾ [طه : ٦١] يئس من رحمة الله ﴿ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه : ١١١] من حمل إلى موقف القيامة شركاً لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ولا ظلم أشد من جعل المخلوق شريك من خلقه ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [النساء : ١٢٤] الصالحات الطاعات ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ [الإسراء : ١٩] مصدق بما جاء به محمد عليه السلام، وفيه دليل أنه يستحق اسم الإيمان بدون الأعمال الصالحة وأن الإيمان شرط قبولها ﴿ فَلا يَخَافُ ﴾ [الجن : ١٣] أي فهو لا يخاف ﴿ فَلا يُخَفَّفُ ﴾ [البقرة : ٨٦] على النهي : مكي ﴿ ظُلْمًا ﴾ أن يزداد في سيئاته ﴿ وَلا هَضْمًا ﴾ [طه : ١١٢] ولا ينقص من حسناته وأصل الهضم النقص والكسر.
١٠٢
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٢


الصفحة التالية
Icon