﴿ لاهِيَةً ﴾ حال من ضمير يلعبون أو وهم يلعبون ولاهية حالان من الضمير في استمعوه.
ومن قرأ ﴿ لاهِيَةً ﴾ بالرفع يكون خبراً بعد خبر لقوله : وهم وارتفعت ﴿ قُلُوبِهِمْ ﴾ بلاهية وهي من لها عنه إذا ذهل وغفل، والمعنى قلوبهم غافلة عما يراد بها، ومنها قال أبو بكر الوارق : القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها الغافل عن الآخرة وأهوالها ﴿ وَأَسَرُّوا ﴾ وبالغوا في إخفاء ﴿ النَّجْوَى ﴾ وهي اسم من التناجي.
ثم أبدل ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [البقرة : ١٦٥] من واو وأسروا إيذاناً بأنهم الموسومون بالظلم فيما أسروا به، أو جاء على لغة من قال " أكلوني البراغيث "، أو هو مجرور المحل لكونه صفة أو بدلاً من الناس، أو هو منصوب المحل على الذم، أو هو مبتدأ خبره أسروا النجوى فقدم عليه أي والذين ظلموا أسروا النجوى ﴿ هَلْ هَـاذَآ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [الأنبياء : ٣] هذا الكلام كله في محل النصب بدل من النجوى أي وأسروا هذا الحديث ويجوز أن يتعلق بـ " قالوا " مضمراً والمعنى أنهم اعتقدوا أن الرسول لا يكون إلا ملكاً وأن كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر، فلذلك قالوا على سبيل الإنكار : أفتحضرون السحر وأنتم تشاهدون وتعاينون أنه سحر ﴿ قَالَ رَبِّى ﴾ [الشعراء : ١٨٨] حمزة وعلي وحفص أي قال محمد وغيرهم قل ربي أي قل يا محمد للذين أسروا النجوى ﴿ يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِى السَّمَآءِ وَالارْضِ ﴾ [الأنبياء : ٤] أي يعلم قول كل قائل هو في السماء أو الأرض سراً كان أو جهراً ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ [الشورى : ١١] لأقوالهم ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بما في ضمائرهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١١
﴿ بَلْ قَالُوا أَضْغَـاثُ أَحْلَـام بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ [الأنبياء : ٥] أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام رآها في نومه فتوهمها وحياً من الله إليه، ثم إلى أنه كلام
١١١
مفترى من عنده، ثم إلى أنه قول شاعر وهكذا الباطل لجلج والمبطل رجاع غير ثابت على قول واحد، ثم قالوا إن كان صادقاً في دعواه وليس الأمر كما يظن ﴿ بَلْ قَالُوا ﴾ [الأنبياء : ٥] بمعجزة ﴿ كَمَآ أُرْسِلَ الاوَّلُونَ ﴾ [الأنبياء : ٥] كما أرسل من قبله باليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى، وصحة التشبيه في قوله كما أرسل الأولون من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات، ألا ترى أنه لا فرق بين قولك " أرسل محمد " وبين قولك " أتى بالمعجزة " فرد الله عليهم قولهم بقوله
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١١
﴿ مَآ ءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ ﴾ [الأنبياء : ٦] من أهل قرية ﴿ أَهْلَكْنَـاهَآ ﴾ صفة لـ قرية عند مجيء الآيات المقترحة لأنهم طلبوها تعنتاً ﴿ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء : ٦] أي أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أفيؤمن هؤلاء المقترحون لو أتيناهم بما اقترحوا مع أنهم أعني منهم، والمعنى أن أهل القرى اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فأهلكهم الله فلو أعطينا هؤلاء ما يقترحون لنكثوا أيضاً.
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا ﴾ [الأنبياء : ٧] هذا جواب قولهم هل هذا إلا بشر مثلكم ﴿ نُّوحِى إِلَيْهِمْ ﴾ [الأنبياء : ٧] ﴿ نُوحِى ﴾ حفص ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن ﴾ [النحل : ٤٣] العلماء بالكتابين فإنهم يعرفون أن الرسل الموحى إليهم كانوا بشراً ولم يكونوا ملائكة وكان أهل مكة يعتمدون على قولهم ﴿ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل : ٤٣] ذلك.
ثم بين أنه كمن تقدمه من الأنبياء بقوله ﴿ وَمَا جَعَلْنَـاهُمْ جَسَدًا ﴾ [الأنبياء : ٨] وحد الجسد لإرادة الجنس ﴿ لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ﴾ [الأنبياء : ٨] صفة لـ جسداً يعني وما جعلنا الأنبياء قبله ذوي جسد غير طاعمين
١١٢


الصفحة التالية
Icon