﴿ وَمَا كَانُوا خَـالِدِينَ ﴾ [الأنبياء : ٨] كأنهم قالوا هلا كان ملكاً لا يطعم ويخلد، إما معتقدين أن الملائكة لا يموتون أو مسمين بقاءهم الممتد وحياتهم المتطاولة خلودا ﴿ ثُمَّ صَدَقْنَـاهُمُ الْوَعْدَ ﴾ [الأنبياء : ٩] بإنجائهم والأصل في الوعد مثل ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ﴾ [الأعراف : ١٥٥] أي من قومه ﴿ فَأَنجَيْنَـاهُمْ ﴾ مما حل بقومهم ﴿ وَمَن نَّشَآءُ ﴾ [الأنبياء : ٩] هم المؤمنون ﴿ وَأَهْلَكْنَا الْمُسِْرفِينَ ﴾ [الأنبياء : ٩] المجاوزين الحد بالكفر ودل الإخبار بإهلاك المسرفين على أن من نشاء غيرهم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٢
﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ﴾ [الأنبياء : ١٠] يا معشر قريش ﴿ كِتَـابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ [الأنبياء : ١٠] شرفكم إن عملتم به أو لأنه بلسانكم أو فيه موعظتكم أو فيه ذكر دينكم ودنياكم والجملة أي فيه ذكركم صفة لـ كتاباً ﴿ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة : ٤٤] ما فضلتكم به على غيركم فتؤمنوا ﴿ وَكَمْ ﴾ نصب بقوله ﴿ قَصَمْنَا ﴾ أي أهلكنا ﴿ مِن قَرْيَةٍ ﴾ [الشعراء : ٢٠٨] أي أهلها بدليل قوله ﴿ كَانَتْ ظَالِمَةً ﴾ [الأنبياء : ١١] كافرة وهي واردة عن غضب شديد وسخط عظيم لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم فإنه كسر بلا إبانة ﴿ وَأَنشَأْنَا ﴾ خلقنا ﴿ بَعْدَهَا قَوْمًا ءَاخَرِينَ ﴾ [الأنبياء : ١١] فسكنوا مساكنهم.
﴿ فَلَمَّآ أَحَسُّوا ﴾ [الأنبياء : ١٢] أي المهلكون ﴿ بَأْسَنَآ ﴾ عذابنا أي علموا علم حس ومشاهدة ﴿ إِذَا هُم مِّنْهَا ﴾ [الأنبياء : ١٢] من القرية وإذا للمفاجأة وهم مبتدأ والخبر ﴿ يَرْكُضُونَ ﴾ يهربون مسرعين، والركض ضرب الدابة بالرجل فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب، أو شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم فقيل لهم ﴿ لا تَرْكُضُوا ﴾ [الأنبياء : ١٣] والقائل بعض الملائكة ﴿ وَارْجِعُوا إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ [الأنبياء : ١٣] نعمتم فيه من الدنيا ولين العيش.
قال الخليل : المترف الموسع عليه عيشه القليل فيه همه
١١٣
﴿ وَمَسَـاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْـاَلُونَ ﴾ [الأنبياء : ١٣] أي يقال لهم استهزاء بهم : ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غداً عما جرى عليكم ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة، أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه أمركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وكيف نأتي ونذر كعادة المنعمين المخدمين، أو يسألكم الناس في أنديتكم المعاون في نوازل الخطوب، أو يسألكم الوافدون عليكم والطماع ويستمطرون سحاب أكفكم، أو قال بعضهم لبعض : لا تركضوا وارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالاً وخراجاً فلا تقتلون، فنودي من السماء يا لثارات الأنبياء وأخذتهم السيوف فثم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٣
﴿ إِلا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَـالِمِينَ ﴾ اعترافهم بذلك حين لا ينفعهم الاعتراف.
﴿ فَمَا زَالَت تِّلْكَ ﴾ [الأنبياء : ١٥] هي إشارة إلى يا ويلنا ﴿ دَعْوَاـاهُمْ ﴾ دعاءهم وتلك مرفوع على أنه اسم زالت ودعواهم الخبر ويجوز العكس ﴿ حَتَّى جَعَلْنَـاهُمْ حَصِيدًا ﴾ [الأنبياء : ١٥] مثل الحصيد أي الزرع المحصود ولم يجمع كما لم يجمع المقدر ﴿ خَـامِدِينَ ﴾ ميتين خمود النار و حصيدا خامدين مفعول ثان لـ " جعل " أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود كقولك " جعلته حلواً حامضاً " أي جعلته جامعاً للطعمين.
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـاعِبِينَ ﴾ [الأنبياء : ١٦] اللعب فعل يروق أوله ولا ثبات له، ولاعبين حال من فاعل خلقنا والمعنى وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلق للهو واللعب، وإنما سويناها ليستدل بها على قدرة مدبرها ولنجازي المحسن والمسيء على ما تقتضيه حكمتنا، ثم نزه ذاته عن سمات الحدوث بقوله ﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا ﴾ [الأنبياء : ١٧] أي ولداً أو امرأة كأنه رد على من قال : عيسى ابنه ومريم صاحبته ﴿ اتَّخَذْنَـاهُ مِن لَّدُنَّآ ﴾ [الأنبياء : ١٧] من الولدان أو الحور ﴿ إِن كُنَّا فَـاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء : ١٧] أي إن كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله لاستحتالته في حقنا.
وقيل : هو
١١٤