نفي كقوله وإن أدري أي ما كنا فاعلين
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٤
﴿ بَلْ نَقْذِفُ ﴾ [الأنبياء : ١٨] " بل " إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه منه لذاته كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو بل من سنتنا أن نقذف أي نرمي ونسلط ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ بالقرآن ﴿ عَلَى الْبَـاطِلِ ﴾ [الأنبياء : ١٨] الشيطان أو بالإسلام على الشرك أو بالجد على اللعب ﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾ فيكسره ويدحض الحق الباطل، وهذه استعارة لطيفة لأن أصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام، ثم استعير القذف لإيراد الحق على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل فالمستعار منه حسي والمستعار له عقلي فكأنه قيل : بل نورد الحق الشبيه بالجسم القوي على الباطل الشبيه بالجسم الضعيف فيبطله إبطال الجسم القوي الضعيف ﴿ فَإِذَا هُوَ ﴾ [النحل : ٤] أي الباطل ﴿ زَاهِقٌ ﴾ هالك ذاهب ﴿ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء : ١٨] الله به من الولد ونحوه.
﴿ وَلَهُ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الأنبياء : ١٩] خلقاً وملكاً فأنى يكون شيء منه ولداً له وبينهما تنافٍ ويوقف على الأرض لأن ومن عنده منزلة ومكانة لا منزلاً ولا مكاناً يعني الملائكة مبتدأ خبره ﴿ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة : ٨٢] لا يتعظمون ﴿ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ [الأنبياء : ١٩] ولا يعيون ﴿ يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء : ٢٠] حال من فاعل يسبحون أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا تتخلله فترة بفراغ أو بشغل آخر فتسبيحهم جارٍ مجرى التنفس منا.
ثم أضرب عن المشركين منكراً عليهم وموبخاً فجاء بـ " أم " التي بمعنى " بل " والهمزة فقال ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا ءَالِهَةً مِّنَ الارْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ [الأنبياء : ٢١] يحيون الموتى ومن الأرض صفة لـ الهة لأن الهتهم كانت متخذة من جواهر الأرض كالذهب والفضة والحجر أو تعبد في الأرض فنسبت إليها كقولك " فلان من المدينة " أي مدني، أو متعلق بـ اتخذوا ويكون فيه بيان غاية الاتخاذ، وفي قوله هم ينشرون زيادة توبيخ وإن لم يدعوا
١١٥
أن أصنامهم تحيي الموتى، وكيف يدعون ومن أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات لأنه يلزم من دعوى الألوهية لها دعوى الإنشار، لأن العاجز عنه لا يصح أن يكون إلاهاً إذ لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور والإنشار من جملة المقدورات.
وقرأ الحسن ينشرون بفتح الياء وهما لغتان أنشر الله الموتى ونشرها أي أحياها
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٥
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ ﴾ [الأنبياء : ٢٢] أي غير الله وصفت الهة بـ " إلا " كما وصفت بـ " غير " لو قيل الهة غير الله، ولا يجوز رفعه على البدل لأن " لو " بمنزلة " إن " في أن الكلام معه موجب والبدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى ﴿ وَلا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ ﴾ [هود : ٨١] ولا يجوز نصبه استثناء لأن الجمع إذا كان منكراً لا يجوز أن يستثنى منه عند المحققين لأنه لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لولا الاستثناء، والمعنى لو كان يدبر أمر السماوات والأرض آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما ﴿ لَفَسَدَتَا ﴾ لخربتا لوجود التمانع وقد قررناه في أصول الكلام.
ثم نزه ذاته فقال ﴿ فَسُبْحَـانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء : ٢٢] من الولد والشريك.
﴿ لا يُسْـاَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ [الأنبياء : ٢٣] لأنه المالك على الحقيقة، ولو اعترض على السلطان بعض عبيده مع وجود التجانس وجواز الخطأ عليه وعدم الملك الحقيقي لاستقبح ذلك وعد سفهاً، فمن هو مالك الملوك ورب الأرباب وفعله صواب كله أولى بأن لا يعترض عليه ﴿ وَهُمْ يُسْـاَلُونَ ﴾ [الأنبياء : ٢٣] لأنهم مملوكون خطاؤون فما أخلقهم بأن يقال لهم لم فعلتم في كل شيء فعلوه.
وقيل : وهم يسئلون يرجع إلى المسيح والملائكة أي هم مسئولون فكيف يكونون آلهة والألوهية تنافي الجنسية والمسئولية ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً ﴾ [الأنبياء : ٢٤] الإعادة لزيادة الإفادة فالأول للإنكار من حيث العقل، والثاني من حيث النقل أي وصفتم الله تعالى بأن يكون له شريك فقيل لمحمد ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَـانَكُمْ ﴾ [البقرة : ١١١] حجتكم على ذلك وذا عقلي وهو يأباه كما مر،
١١٦


الصفحة التالية
Icon