أو نقلي وهو الوحي وهو أيضاً يأباه فإنكم لا تجدون كتاباً من الكتب السماوية إلا وفيه توحيده وتنزيهه عن الأنداد ﴿ هَـاذَا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ ﴾ [الأنبياء : ٢٤] يعني أمته ﴿ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى ﴾ [الأنبياء : ٢٤] يعني أمم الأنبياء من قبلي وهو وارد في توحيد الله ونفي الشركاء عنه.
معي حفص.
فلما لم يمتنعوا عن كفرهم أضرب عنهم فقال ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ﴾ [الأنبياء : ٢٤] أي القرآن وهو نصب بـ يعلمون وقرىء الحق أي هو الحق ﴿ فَهُمُ ﴾ لأجل ذلك ﴿ مُّعْرِضُونَ ﴾ عن النظر فيما يجب عليهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٦
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِى إِلَيْهِ ﴾ [الأنبياء : ٢٥] ﴿ إِلا نُوحِى ﴾ [الأنبياء : ٢٥] كوفي غير أبي بكر وحماد ﴿ أَنَّهُ لا إِلَـاهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء : ٢٥] وحدوني فهذه الآية مقررة لما سبقها من آي التوحيد ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـانُ وَلَدًا سُبْحَـانَهُ ﴾ [الأنبياء : ٢٦] نزلت في خزاعة حيث قالوا : الملائكة بنات الله فنزه ذاته عن ذلك ثم أخبر عنهم بأنهم عباد بقوله ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾ [الأنبياء : ٢٦] أي بل هم عباد مكرمون مشرفون مقربون وليسوا بأولاد إذ العبودية تنافي الولادة ﴿ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ﴾ [الأنبياء : ٢٧] أي بقولهم فأنيبت اللام مناب الإضافة، والمعنى أنهم يتبعون قوله فلا يسبق قولهم قوله ولا يتقدمون قوله بقولهم ﴿ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنبياء : ٢٧] أي كما أن قولهم تابع لقوله فعملهم أيضاً مبني على أمره لا يعملون عملاً لم يأمروا به ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [البقرة : ٢٥٥] أي ما قدموا وأخروا من أعمالهم ﴿ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء : ٢٨] أي لمن رضي الله عنه وقال لا إله إلا الله ﴿ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء : ٢٨] خائفون
١١٧
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٧
﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ ﴾ [الأنبياء : ٢٩] من الملائكة ﴿ إِنِّى إِلَـاهٌ مِّن دُونِهِ ﴾ [الأنبياء : ٢٩] من دون الله إني مدني وأبو عمرو ﴿ فَذَالِكَ ﴾ مبتدأ أي فذلك القائل خبره ﴿ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ [الأنبياء : ٢٩] وهو جواب الشرط ﴿ كَذَالِكَ نَجْزِى الظَّـالِمِينَ ﴾ [يوسف : ٧٥] الكافرين الذين وضعوا الإلاهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقق عصمتهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والضحاك : قد تحقق الوعيد في إبليس فإنه ادعى الإلاهية لنفسه ودعا إلى طاعة نفسه وعبادته.
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الأنبياء : ٣٠] ألم ير مكي ﴿ أَنَّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ كَانَتَا ﴾ [الأنبياء : ٣٠] أي جماعة السماوات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كن ﴿ رَتْقًا ﴾ بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين ﴿ فَفَتَقْنَـاهُمَا ﴾ فشققناهما، والفتق الفصل بين الشيئين والرتق ضد الفتق.
فإن قيل : متى رأوهما رتقاً حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلنا : إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد، ولأن الرؤية بمعنى العلم وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل، فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لا بد له من مخصص وهو القديم جل جلاله.
ثم قيل : إن السماء كانت لاصقة بالأرض لافضاء بينهما ففتقناهما أي فصلنا بينهما بالهواء.
وقيل : كانت السماوات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها الله تعالى وجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها وجعلها سبع أرضين.
وقيل : كانت السماء رتقاً لا تمطر والأرض رتقاً لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ ﴾ [الأنبياء : ٣٠] أي خلقنا من الماء كل حيوان كقوله ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ ﴾ [النور : ٤٥] أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله ﴿ خُلِقَ الانْسَـانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء : ٣٧] ﴿ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء : ٣٠] يصدقون بما يشاهدون.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٨


الصفحة التالية
Icon