﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ ﴾ [الأنبياء : ٤٧] جمع ميزان وهو ما يوزن به الشيء فتعرف كميته.
وعن الحسن : هو ميزان له كفتان ولسان.
وإنما جمع الموازين لتعظيم شأنها كما في قوله ﴿ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ ﴾ والوزن لصحائف الأعمال في قول ﴿ الْقِسْطَ ﴾ وصفت الموازين بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في نفسها قسط، أو على حذف المضاف أي ذوات القسط ﴿ لِيَوْمِ الْقِيَـامَةِ ﴾ [الأنبياء : ٤٧] لأهل يوم القيامة أي لأجلهم ﴿ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شيئا ﴾ [الأنبياء : ٤٧] من الظلم ﴿ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ ﴾ [الأنبياء : ٤٧] وإن كان الشيء مثقال حبة مثقال بالرفع : مدني وكذا في " لقمان " على " كان " التامة ﴿ مِّنْ خَرْدَلٍ ﴾ [الأنبياء : ٤٧] صفة لـ حبة ﴿ أَتَيْنَا بِهَا ﴾ [الأنبياء : ٤٧] أحضرناها.
وأنت ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة كقولهم " ذهبت بعض أصابعه " ﴿ وَكَفَى بِنَا حَـاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء : ٤٧] عالمين حافظين، عن ابن عباس رضي الله عنهما : لأن من حفظ شيئاً حسبه وعلّه.
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَـارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْرًا ﴾ [الأنبياء : ٤٨] قيل : هذه الثلاثة هي التوراة فهي فرقان بين الحق والباطل، وضياء يستضاء به ويتوصل به إلى سبيل النجاة، وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم.
ودخلت الواو على الصفات كما في قوله ﴿ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا ﴾ [آل عمران : ٣٩] وتقول " مررت
١٢٣
بزيد الكريم والعالم والصالح ".
ولما انتفع بذلك المتقون خصهم بقوله ﴿ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٣
ومحل ﴿ الَّذِينَ ﴾ جر على الوصفية أو نصب على المدح أو رفع عليه ﴿ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم ﴾ [الملك : ١٢] يخافونه ﴿ بِالْغَيْبِ ﴾ حال أي يخافونه في الخلاء ﴿ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ ﴾ [الأنبياء : ٤٩] القيامة وأهوالها ﴿ مُشْفِقُونَ ﴾ خائفون ﴿ وَهَـاذَآ ﴾ القرآن ﴿ ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ ﴾ [الأنبياء : ٥٠] كثير الخير غزير النفع ﴿ أَنزَلْنَـاهُ ﴾ على محمد ﴿ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ [الأنبياء : ٥٠] استفهام توبيخ أي جاحدون أنه منزل من عند الله.
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ ﴾ [الأنبياء : ٥١] هداه ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ [يوسف : ٦] من قبل موسى وهرون أو من قبل محمد عليه السلام ﴿ وَكُنَّا بِهِ ﴾ [الأنبياء : ٥١] بابراهيم أو برشده ﴿ عَـالِمِينَ ﴾ أي علمنا أنه أهل لما آتيناه ﴿ إِذْ ﴾ إما أن تتعلق بـ اتيناه أو بـ رشده ﴿ قَالَ لابِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـاذِهِ التَّمَاثِيلُ ﴾ [الأنبياء : ٥٢] أي الأصنام المصورة على صورة السباع والطيور والإنسان، وفيه تجاهل لهم ليحقر آلهتهم مع علمه بتعظيمهم لها ﴿ الَّتِى أَنتُمْ لَهَا عَـاكِفُونَ ﴾ [الأنبياء : ٥٢] أي لأجل عبادتها مقيمون.
فلما عجزوا عن الإتيان بالدليل على ذلك.
﴿ قَالُوا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَـابِدِينَ ﴾ [الأنبياء : ٥٣] فقلدناهم ﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم ﴿ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأنبياء : ٥٤] أراد أن المقلدين والمقلدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر لا يخفى على عاقل، وأكد بـ أنتم ليصح العطف لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ ﴾ [الأنبياء : ٥٥] بالجد ﴿ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّـاعِبِينَ ﴾ [الأنبياء : ٥٥] أي أجاد أنت فيما تقول أم لاعب استعظاماً منهم إنكاره عليهم واستبعاداً لأن يكون ما هم عليه ضلالاً،
١٢٤
فثم أضرب عنهم مخبراً بأنه جاد فيما قال غير لاعب مثبتاً لربوبية الملك العلام وحدوث الأصنام بقوله
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٤
﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ الَّذِى فَطَرَهُنَّ ﴾ [الأنبياء : ٥٦] أي التماثيل فأنى يعبد المخلوق ويترك الخالق ﴿ وَأَنَا عَلَى ذَالِكُم ﴾ [الأنبياء : ٥٦] المذكور في التوحيد شاهد ﴿ مِّنَ الشَّـاهِدِينَ ﴾ [آل عمران : ٨١].
﴿ وَتَاللَّهِ ﴾ أصله والله وفي التاء معنى التعجب من تسهيل الكيد على يده مع صعوبته وتعذره لقوة سلطة نمروذ.


الصفحة التالية
Icon