﴿ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شيئا ﴾ [الحج : ٥] أي لكيلا يعلم شيئاً من بعد ما كان يعلمه أو لكيلا يستفيد علماً وينسى ما كان عالماً به.
ثم ذكر دليلاً آخر على البعث فقال ﴿ وَتَرَى الارْضَ هَامِدَةً ﴾ [الحج : ٥] ميتة يا بسة ﴿ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ ﴾ [الحج : ٥] تحركت بالنبات ﴿ وَرَبَتْ ﴾ وانتفخت.
وربأت حيث كان : يزيد ارتفعت ﴿ وَأَنابَتَتْ مِن كُلِّ زَوْج ﴾ [الحج : ٥] صنف ﴿ بَهِيجٍ ﴾ حسن صار للناظرين إليه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٣
﴿ ذَالِكَ ﴾ مبتدأ خبره ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾ [الحج : ٦٢] أي ذلك الذي ذكرنا من خلق بني آدم وإحياء الأرض مع ما في تضاعيف ذلك من أصناف الحكم حاصل بهذا وهو أن الله هو الحق أي الثابت الوجود ﴿ وَأَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى ﴾ [الحج : ٦] كما أحيا الأرض ﴿ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحج : ٦] قادر ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ ﴾ [الحج : ٧] أي أنه حكيم لا يخلف الميعاد وقد وعد الساعة والبعث فلا بد أن يفي بما وعد ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَـادِلُ فِى اللَّهِ ﴾ [الحج : ٣] في صفاته فيصفه بغير ما هو له.
نزلت في أبي جهل ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [النحل : ٢٥] ضروري ﴿ وَلا هُدًى ﴾ [الحج : ٨] أي استدلال لأنه يهدي إلى المعرفة ﴿ وَلا كِتَـابٍ مُّنِيرٍ ﴾ [الحج : ٨] أي وحي والعلم للإنسان من أحد هذه الوجود الثلاثة ﴿ ثَانِىَ عِطْفِهِ ﴾ [الحج : ٩] حال أي لاوياً عنقه عن طاعة الله كبراً وخيلاء.
وعن الحسن : ثاني عطفه بفتح العين أي مانع تعطفه إلى غيره ﴿ لِيُضِلَّ ﴾ تعليل للمجادلة.
ليضل مكي وأبو عمرو ﴿ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [محمد : ١] دينه ﴿ لَهُ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ ﴾ [الحج : ٩] أي القتل يوم بدر ﴿ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الحج : ٩] أي جمع له عذاب الدارين ﴿ ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ [الحج : ١٠] أي السبب في عذاب الدارين هو ما قدمت نفسه
١٤٤
من الكفر والتكذيب، وكنى عنها باليد لأن اليد آلة الكسب ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران : ١٨٢] فلا يأخذ أحداً بغير ذنب ولا بذنب غيره وهو عطف على بما أي وبأن الله.
وذكر الظلام بلفظ المبالغة لاقترانه بلفظ الجمع وهو العبيد، ولأن قليل الظلم منه مع علمه بقبحه واستغنائه كالكثير منا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٤
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾ [الحج : ١١] على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة وهو حال أي مضطرباً ﴿ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ﴾ [الحج : ١١] صحة في جسمه وسعة في معيشته ﴿ اطْمَأَنَّ ﴾ سكن واستقر ﴿ بِهِ ﴾ بالخير الذي أصابه أو بالدين فعبد الله ﴿ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ﴾ [الحج : ١١] شر وبلاء في جسده وضيق في معيشته ﴿ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ﴾ [الحج : ١١] جهته أي ارتد ورجع إلى الكفر كالذي يكون على طرف من العسكر، فإن أحس بظفر وغنيمة قر واطمأن وإلا فر وطار على وجهه.
قالوا : نزلت في أعاريب قدموا المدينة مهاجرين وكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهراً سوياً وكثر ماله وماشيته قال : ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيراً واطمأن، وإن كان الأمر بخلافه قال : ما أصبت إلا شراً وانقلب عن دينه ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالاخِرَةَ ﴾ [الحج : ١١] حال " وقد " مقدرة دليله قراءة روح وزيد خاسر الدنيا والآخرة والخسران في الدنيا بالقتل فيها وفي الآخرة بالخلود في النار ﴿ ذَالِكَ ﴾ أي خسران الدارين ﴿ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج : ١١] الظاهر الذي لا يخفي على أحد.
﴿ يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ٢٢١-٧٤] يعني الصنم فإنه بعد الردة يفعل كذلك ﴿ مَا لا يَضُرُّهُ ﴾ [الحج : ١٢] إن لم يعبده ﴿ وَمَا لا يَنفَعُهُ ﴾ [الحج : ١٢] إن عبده ﴿ ذَالِكَ هُوَ الضَّلَـالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم : ١٨] عن الصواب
١٤٥
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٥