﴿ يَدْعُوا لَمَن ضَرُّهُا أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ﴾ والإشكال أنه تعالى نفي الضر والنفع عن الأصنام قبل هذه الآية وأثبتهما لها هنا.
والجواب أن المعنى إذا فهم ذهب هذا الوهم، وذلك أن الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماداً لا يملك ضراً ولا نفعاً وهو يعتقد فيه أنه ينفعه ثم قال يوم القيامة : يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ولا يرى لها أثر الشفاعة لمن ضره أقرب من نفعه ﴿ لَبِئْسَ الْمَوْلَى ﴾ [الحج : ١٣] أي الناصر الصاحب ﴿ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴾ [الحج : ١٣] المصاحب أو كرر يدعوا كأنه قال : يدعو يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ثم قال لمن ضره بكونه معبوداً أقرب من نفعه بكونه شفيعاً.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [الحج : ١٤] هذا وعد لمن عبد الله بكل حال لا لمن عبد الله على حرف ﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ ﴾ [الحج : ١٥] المعنى أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة فمن ظن من أعاديه غير ذلك ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾ [الحج : ١٥] بحبل ﴿ إِلَى السَّمَآءِ ﴾ [الحج : ١٥] إلى سماء بيته ﴿ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ﴾ [الحج : ١٥] ثم ليختنق به، وسمي الاختناق قطعاً لأن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه.
وبكسر اللام بصري وشامي ﴿ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ [الحج : ١٥] أي الذي يغيظه أو " ما " مصدرية أي غيظه، والمعنى فليصور في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه.
وسمي فعله كيداً على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكد به محسوده إنما كاد به نفسه والمراد ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظ ﴿ وَكَذَالِكَ أَنزَلْنَـاهُ ﴾ [الحج : ١٦] ومثل ذلك الإنزال أنزل القرآن كله ﴿ بَيِّنَـاتٍ فَسْـالْ ﴾ [الإسراء : ١٠١] واضحات ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ ﴾ [الحج : ١٦] أي ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون، أو يثبت الذي آمنوا ويزيدهم هدى أنزله كذلك مبيّناً.
١٤٦
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٦
﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّـابِـاِينَ وَالنَّصَـارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [الحج : ١٧] قيل : الأديان خمسة : أربعة للشيطان وواحد للرحمن، والصابئون نوع من النصارى فلا تكون ستة ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [الحج : ١٧] في الأحوال والأماكن فلا يجازيهم جزاء واحداً ولا يجمعهم في موطن واحد.
وخبر إن الذين آمنوا إن الله يفصل بينهم كما تقول " إن زيداً إن أباه قائم " ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [الحج : ١٧] عالم به حافظ له فلينظر كل امريء معتقده، وقوله وفعله وهو أبلغ وعيد.
﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ ألم تعلم يا محمد علماً يقوم مقام العيان ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَن فِى الارْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ ﴾ [الحج : ١٨] قيل : إن الكل يسجد له ولكنا لا نقف عليه كما لا نقف على تسبيحها قال الله تعالى :﴿ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـاكِن لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء : ٤٤].
وقيل : سمي مطاوعة غير المكلف له فيما يحدث فيه من أفعاله وتسخيره له سجوداً له تشبيهاً لمطاوعته بسجود المكلف الذي كل خضوع دونه ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ﴾ [الحج : ١٨] أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة، أو هو مرفوع على الابتداء ومن الناس صفة له والخبر محذوف وهو مثاب ويدل عليه قوله ﴿ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحج : ١٨] أي وكثير منهم حق عليه العذاب بكفره وإبائه السجود ﴿ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ ﴾ [الحج : ١٨] بالشقاوة ﴿ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ﴾ [الحج : ١٨] بالسعادة ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ ﴾ [الحج : ١٨] من الإكرام والإهانة وغير ذلك، وظاهر هذه الآية والتي قبلها ينقض على المعتزلة قولهم لأنهم يقولون شاء أشياء ولم يفعل وهو يقول يفعل ما يشاء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٧
﴿ هَـاذَانِ خَصْمَانِ ﴾ [الحج : ١٩] أي فريقان مختصمان ؛ فالخصم صفة وصف بها