الالتزام يشبه الاعتصام بعروة الإسلام حتى لا يرتفض بارتكاب ما هو محظور فيه ويبقى عقده مع ما يفسده وينافيه، كما أن عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثام وترتفع ألف حوبة بتوبة.
وثانيها الوقوف بعرفات بسمة الابتهال في صفة الاهتبال، وصدق الاعتزال عن دفع الاتكال على مراتب الأعمال وشواهد الأحوال.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٢
﴿ ذَالِكَ ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك أو تقديره ليفعلوا ذلك ﴿ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَـاتِ اللَّهِ ﴾ [الحج : ٣٠] الحرمة ما لا يحل هتكه وجميع ما كلفه الله عز وجل بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها، فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه، ويحتمل أن يكون خاصاً بما يتعلق بالحج.
وقيل : حرمات الله البيت الحرام والمشعر الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام والمسجد الحرام ﴿ فَهُوَ ﴾ أي التعظيم ﴿ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ﴾ [الحج : ٣٠] ومعنى التعظيم العلم بأنها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها ﴿ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الانْعَـامُ ﴾ [الحج : ٣٠] أي كلها ﴿ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة : ١] آية تحريمه وذلك قوله ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ [المائدة : ٣] الآية.
والمعنى أن الله تعالى أحل لكم الأنعام كلها إلا ما بيّن في كتابه، فحافظوا على حدوده ولا تحرموا شيئاً مما أحل كتحريم البحيرة ونحوها، ولا تحلوا مما حرم كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغيرهما.
ولما حث على تعظيم حرماته أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور بقوله ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاوْثَـانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج : ٣٠] لأن ذلك من أعظم الحرمات وأسبقها حظراً.
ومن الأوثان بيان للرجس لأن الرجس مبهم يتناول غير شيء كأنه قيل : فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان.
وسمي الأوثان رجساً على طريقة التشبيه يعني أنكم كما تنفرون بطباعكم عن الرجس فعليكم أن تنفروا عنها.
وجمع بين الشرك وقول الزور أي الكذب والبهتان أو شهادة الزور وهو من الزور وهو الانحراف، لأن الشرك من باب الزور إذ المشرك زاعم أن الوثن يحق له العبادة.
١٥٣
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿ حُنَفَآءَ لِلَّهِ ﴾ [الحج : ٣١] مسلمين ﴿ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ [الحج : ٣١] حال كحنفاء ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ ﴾ [الحج : ٣١] سقط ﴿ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ [الشعراء : ٤] إلى الأرض ﴿ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ﴾ [الحج : ٣١] أي تسلبه بسرعة فتخطّفه أي تتخطفه مدني ﴿ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ ﴾ [الحج : ٣١] أي تسقطه والهوي السقوط ﴿ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج : ٣١] بعيد.
يجوز أن يكون هذا تشبيهاً مركباً، ويجوز أن يكون مفرقاً.
فإن كان تشبيهاً مركباً فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعاً في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة.
وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي أشرك بالله بالساقط من السماء.
والأهواء المردية بالطير المتخطفة والشيطان الذي هو يوقعه في الضلال بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة.
﴿ ذَالِكَ ﴾ أي الأمر ذلك ﴿ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَـائرَ اللَّهِ ﴾ [الحج : ٣٢] تعظيم الشعائر وهي الهدايا لأنها من معالم الحج أن يختارها عظام الأجرام حساناً ثماناً غالية الأثمان ﴿ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج : ٣٢] أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات.
وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى ﴿ لَكُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٤
الحج : ٣٣] من الركوب عند الحاجة وشرب ألبانها عند الضرورة ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [نوح : ٤] إلى أن تنحر ﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَآ ﴾ [الحج : ٣٣] أي وقت وجوب نحرها منتهية ﴿ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج : ٣٣] والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت إذ الحرم حريم البيت ومثله في الاتساع قولك " بلغ البلد " وإنما اتصل مسيرك بحدوده.
وقيل : الشعائر المناسك كلها وتعظيمها إتمامها ومحلها إلى البيت العتيق يأباه ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ ﴾ [الأعراف : ٣٤] جماعة مؤمنة قبلكم ﴿ جَعَلْنَا مَنسَكًا ﴾ [الحج : ٣٤] حيث كان بكسر
١٥٤