﴿ أُذِنَ ﴾ مدني وبصري وعاصم ﴿ لِلَّذِينَ يُقَـاتَلُونَ ﴾ [الحج : ٣٩] بفتح التاء مدني وشامي وحفص، والمعنى أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه ﴿ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ [الحج : ٣٩] بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كان مشركو
١٥٦
مكة يؤذونهم أذىً شديداً وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم : اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت هذه الآية، وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعدما نهى عنه في نيف وسبعين آية ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ ﴾ [الحج : ٣٩] على نصر المؤمنين ﴿ لَقَدِيرٌ ﴾ قادر وهو بشارة للمؤمنين بالنصرة وهو مثل قوله إن الله يدافع عن الذين آمنوا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٦
﴿ الَّذِينَ ﴾ في محل جر بدل من الذين أو نصب بـ " أعني " أو رفع بإضمارهم ﴿ أُخْرِجُوا مِن دِيَـارِهِم ﴾ [الحج : ٤٠] بمكة ﴿ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج : ٤٠] أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب التمكين لا موجب الإخراج ومثله ﴿ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلا أَنْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ ﴾ [المائدة : ٥٩] ومحل أن يقولوا جر بدل من حق والمعنى ما أخرجوا من ديارهم إلا بسبب قولهم ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ٢٥١] دفاع مدني ويعقوب ﴿ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ ﴾ [الحج : ٤٠] وبالتخفيف حجازي ﴿ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَـاجِدُ ﴾ [الحج : ٤٠] أي لولا إظهاره وتسليطه المسلمين على الكافرين بالمجاهدة لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم وعلى متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعاً ولا لرهبانهم صوامع ولا لليهود صلوات أي كنائس.
وسميت الكنيسة صلاة لأنها يصلي فيها ولا للمسلمين مساجد، أو لغلب المشركون في أمة محمد صلى الله عليه وسلّم على المسلمين وعلى أهل اكتاب الذين في ذمتهم وهدموا متعبدات الفريقين، وقدم غير المساجد عليها لتقدمها وجوداً أو لقربها من التهديم ﴿ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [الحج : ٤٠] في المساجد أو في جميع ما تقدم ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُا ﴾ [الحج : ٤٠] أي ينصر دينه وأوليائه ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ ﴾ [الحج : ٤٠] على نصر أوليائه ﴿ عَزِيزٌ ﴾ على انتقام أعدائه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٧
﴿ الَّذِينَ ﴾ محله نصب بدل من من ينصره أو جر تابع لـ الذين أخرجوا ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـاهُمْ فِى الارْضِ أَقَامُوا الصَّلَواةَ وَءَاتَوُا الزكاة وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ ﴾ [الحج : ٤١]
١٥٧
هو إخبار من الله عما ستكون عليه سيرة المهاجرين إن مكنهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا وكيف يقومون بأمر الدين، وفيه دليل صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله عز وجل أعطاهم التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة.
وعن الحسن : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَلِلَّهِ عَـاقِبَةُ الامُورِ ﴾ [الحج : ٤١] أي مرجعها إلى حكمه وتقديره، وفيه تأكيد لما وعده من إظهار أوليائه وإعلاء كلمته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٧