﴿ فَاعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّهُ ﴾ [الدخان : ٢٢] شاكياً قومه ﴿ أَنَّ هؤلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ﴾ [الدخان : ٢٢] بأن هؤلاء أي دعا ربه بذلك.
قيل : كان دعاؤه : اللهم عجل لهم ما يستحقونه بإجرامهم.
وقيل : هو قوله ﴿ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ ﴾ [يونس : ٨٥] وقرىء ﴿ أَنَّ هؤلاء ﴾ [الحجر : ٦٨] بالكسر على إضمار القول أي فدعا ربه فقال إن هؤلاء ﴿ فَأَسْرِ ﴾ من أسرى.
﴿ فَأَسْرِ ﴾ بالوصل : حجازي من سرى والقول مضمر بعد الفاء أي فقال أسر ﴿ بِعِبَادِى ﴾ أي بني إسرائيل ﴿ لَيْلا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴾ [الدخان : ٢٣] أي دبر الله أن تتقدموا ويتبعكم فرعون وجنوده فينجي المتقدمين ويغرق التابعين ﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ﴾ [الدخان : ٢٤] ساكناً.
أراد موسى عليه السلام لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق فأمر بأن يتركه ساكناً على هيئته قاراً على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق يبساً لا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئاً ليدخله القبط، فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم.
وقيل : الرهو : الفجوة الواسعة أي اتركه مفتوحاً على حاله منفرجاً ﴿ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾ [الدخان : ٢٤] بعد خروجكم من البحر، وقرىء بالفتح أي لأنهم.
﴿ كَمْ ﴾ عبارة عن الكثرة منصوب بقوله :
١٩٠
﴿ تَرَكُوا مِن جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الدخان : ٢٥].
﴿ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ [الدخان : ٢٦] هو ما كان لهم من المنازل الحسنة وقيل : المنابر ﴿ وَنَعْمَةٍ ﴾ تنعم ﴿ كَانُوا فِيهَا فَـاكِهِينَ ﴾ [الدخان : ٢٧] متنعمين ﴿ كَذَالِكَ ﴾ أي الأمر كذلك فالكاف في موضع الرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر ﴿ كَذَالِكَ وَأَوْرَثْنَـاهَا قَوْمًا ﴾ [الدخان : ٢٨] ليسوا منهم في شيء من قرابة ولا دين ولا ولاء وهم بنو إسرائيل ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَالارْضُ ﴾ [الدخان : ٢٩] لأنهم ماتوا كفاراً، والمؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض فيبكي على المؤمن من الأرض مصلاه ومن السماء مصعد عمله، وعن الحسن : أهل السماء والأرض ﴿ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ﴾ [الدخان : ٢٩] أي لم ينظروا إلى وقت آخر ولم يمهلوا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٠
﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [الدخان : ٣٠] أي الاستخدام والاستعباد وقتل الأولاد ﴿ مِن فِرْعَوْنَ ﴾ [الدخان : ٣١] بدل من ﴿ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ : ١٤] بإعادة الجار كأنه في نفسه كان عذاباً مهيناً لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم، أو خبر مبتدأ محذوف أي ذلك من فرعون ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا ﴾ [الدخان : ٣١] متكبراً ﴿ مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الدخان : ٣١] خبر ثانٍ أي كان متكبراً مسرفاً ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَـاهُمْ ﴾ [الدخان : ٣٢] أي بني إسرائيل ﴿ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الزمر : ٤٩] حال من ضمير الفاعل أي عالمين بمكان الخيرة وبأنهم أحقاء بأن يختاروا ﴿ عَلَى الْعَـالَمِينَ ﴾ [البقرة : ٤٧] على عالمي زمانهم ﴿ وَءَاتَيْنَـاهُم مِّنَ الايَـاتِ ﴾ [الدخان : ٣٣] كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك ﴿ مَا فِيهِ بَلَـاؤٌا مُّبِينٌ ﴾ [الدخان : ٣٣] نعمة ظاهرة أو اختبار ظاهر لننظر كيف يعملون ﴿ أَنَّ هؤلاء ﴾ [الحجر : ٦٨] يعني كفار قريش ﴿ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِىَ ﴾ ما الموتة ﴿ إِلا مَوْتَتُنَا الاولَى ﴾ [الصافات : ٥٩] والإشكال أن الكلام وقع في الحياة الثانية لا في الموت، فهلا قيل : إن
١٩١


الصفحة التالية
Icon