﴿ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ ﴾ [الجاثية : ٥، ٦] بالنصب : علي وحمزة، وغيرهما بالرفع، وهذا من العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت " إن " و " في ".
أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في ﴿ وَاخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [آل عمران : ١٩٠] والنصب في ﴿ ءَايَـاتِ ﴾.
وإذا رفعت فالعاملان الابتداء و " في ".
في عملت الواو الرفع في آيات والجر في ﴿ وَاخْتِلَـافِ ﴾ هذا مذهب الأخفش لأنه يجوز العطف على عاملين، وأما سيبويه فإنه لا يجيزه وتخريج الآية عنده، أن يكون على اضمار " في " والذي حسنه تقديم ذكر " في " في الآيتين قبل هذه الآية ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه و ﴿ إِنَّ فِى اخْتِلَـافِ الَّيْلِ ﴾ [يونس : ٦] ويجوز أن ينتصب ﴿ ءَايَـاتِ ﴾ على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفاً على ما قبله، أو على التكرير توكيداً لآيات الأولى كأنه قيل : آيات آيات، ورفعها بإضمار هي.
والمعنى في تقديم الإيمان على الإيقان وتوسيطه وتأخير الآخر، أن المنصفين من العباد إذا نظروا في السماوات والأرض نظراً صحيحاً علموا أنها مصنوعة وأنه لا بد لها من صانع فآمنوا بالله، فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وفي خلق ما ظهر على الأرض من صنوف الحيوان ازدادوا إيماناً وأيقنوا، فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بها بعد موتها، وتصريف الرياح جنوباً وشمالاً وقبولاً ودبوراً، عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم ﴿ تِلْكَ ﴾ إشارة إلى الآيات المتقدمة أي تلك الآيات ﴿ اللَّهِ إِلا ﴾ [غافر : ٤] وقوله ﴿ نَتْلُوهَا ﴾ في محل الحال أي متلوة ﴿ عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾ [الجاثية : ٦] والعامل ما دل عليه ﴿ تِلْكَ ﴾ من معنى الإشارة ﴿ فَبِأَىِّ حَدِيث بَعْدَ اللَّهِ وَءايَـاتِهِ ﴾ أي بعد آيات الله كقولهم " أعجبني زيد وكرمه " يريدون أعجبني كرم زيد ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ حجازي وأبو عمرو وسهل وحفص، وبالتاء غيرهم على تقدير قل يا محمد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٦
﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ ﴾ [الجاثية : ٧] كذاب ﴿ أَثِيمٍ ﴾ متبالغ في اقتراف الآثام ﴿ يَسْمَعُ ءَايَـاتِ اللَّهِ ﴾ [الجاثية : ٨] في موضع جر صفة ﴿ تُتْلَى عَلَيْهِ ﴾ [القلم : ١٥] حال من آيات الله ﴿ ثُمَّ يُصِرُّ ﴾ [الجاثية : ٨] يقبل على كفره ويقيم عليه ﴿ مُسْتَكْبِرًا ﴾ عن الإيمان بالآيات والإذعان لما تنطق
١٩٧
به من الحق مزدرياً لها معجباً بما عنده.
قيل : نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث العجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن.
والآية عامة في كل من كان مضاراً لدين الله.
وجيء بـ " ثم " لأن الإصرار على الضلالة والاستكبار عن الإيمان عند سماع آيات القرآن مستبعد في العقول ﴿ كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ﴾ [الجاثية : ٨] " كأن " مخففة والأصل كأنه لم يسمعها والضمير ضمير الشأن ومحل الجملة النصب على الحال أي يصر مثل غير السامع ﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان : ٧] فأخبره خبراً يظهر أثره على البشرة.
﴿ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَـاتِنَا شيئا ﴾ [الجاثية : ٩] وإذا بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها ﴿ اتَّخَذَهَا ﴾ اتخذ الآيات ﴿ هُزُوًا ﴾ ولم يقل اتخذه للإشعار بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه، ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية :
نفسي بشيء من الدنيا معلقة
الله والقائم المهدي يكفيها
حيث أراد عتبة ﴿ أؤلئك ﴾ إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله الأفاكين ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [الحج : ٥٧] مخز ﴿ مِّن وَرَآ ـاِهِمْ ﴾ [الجاثية : ١٠] من قدامهم الوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام ﴿ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُوا ﴾ [الجاثية : ١٠] من الأموال ﴿ شيئا ﴾ من عذاب الله ﴿ وَلا مَا اتَّخَذُوا ﴾ [الجاثية : ١٠] " ما " فيهما مصدرية أو موصلة ﴿ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [يس : ٧٤] من الأوثان ﴿ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الجاثية : ١٠] في جهنم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٦
﴿ هَـاذَا هُدًى ﴾ [الجاثية : ١١] إشارة إلى القرآن ويدل عليه
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٨


الصفحة التالية
Icon