الجهال ودينهم المبني على هوى وبدعة وهم رؤساء قريش حين قالوا : ارجع إلى دين آبائك ﴿ إِنَّهُمْ ﴾ إن هؤلاء الكافرين ﴿ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شيئا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية : ١٩] وهم موالوه وما أبين الفضل بين الولايتين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٨
﴿ هَاذَا ﴾ أي القرآن ﴿ بَصَائرُ لِلنَّاسِ ﴾ [القصص : ٤٣] جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحاً وحياة ﴿ وَهُدًى ﴾ من الضلالة ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ من العذاب ﴿ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة : ١١٨] لمن آمن وأيقن بالبعث ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ ﴾ [الجاثية : ٢١] " أم " منقطعة ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان ﴿ اجْتَرَحُوا السَّيِّاَاتِ ﴾ [الجاثية : ٢١] اكتسبوا المعاصي والكفر ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله أي كاسبهم ﴿ أَن نَّجْعَلَهُمْ ﴾ [الجاثية : ٢١] أن نصيرهم وهو من " جعل " المتعدي إلى مفعولين فأولهما الضمير والثاني الكاف في ﴿ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [الجاثية : ٢١] والجملة التي هي ﴿ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾ [الجاثية : ٢١] بدل من الكاف لأن الجملة تقع مفعولاً ثانياً فكانت في حكم المفرد، ﴿ سَوَآءً ﴾ علي وحمزة وحفص بالنصب على الحال من الضمير في ﴿ نَّجْعَلَهُمْ ﴾ ويرتفع ﴿ مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾ [الجاثية : ٢١] بـ ﴿ سَوَآءً ﴾.
وقرأ الأعمش ﴿ وَمَمَاتُهُمْ ﴾ بالنصب جعل ﴿ مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾ [الجاثية : ٢١] ظرفين كمقدم الحاج أي سواء في محياهم وفي مماتهم.
والمعنى إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محياً وأن يستووا مماتاً لافتراق أحوالهم أحياء، حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات وأولئك على اقتراف السيئات، ومماتاً حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة وأولئك على اليأس من الرحمة والندامة، وقيل : معناه إنكار أن يستووا في الممات كما استووا في الحياة في الرزق والصحة، وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه كان يصلي ذات ليلة عند المقام فبلغ هذه الآية فجعل يبكي ويردد إلى الصباح، وعن الفضيل أنه بلغها فجعل يرددها ويبكي ويقول : يا فضيل ليت شعري من
٢٠١
أي الفريقين أنت ﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الأنعام : ١٣٦] بئس ما يقضون إذا حسبوا أنهم كالمؤمنين فليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقعد على مقام المخالفة بل نفرق بينهم فنعلي المؤمنين ونخزي الكافرين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٨
﴿ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ ﴾ [الجاثية : ٢٢] ليدل على قدرته ﴿ وَلِتُجْزَى ﴾ معطوف على هذا المعلل المحذوف ﴿ كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَاهَهُ هَوَااهُ ﴾ أي هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه ﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الجاثية : ٢٣] منه باختياره الضلال أو أنشأ فيه فعل الضلال على علم منه بذلك ﴿ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ ﴾ [الجاثية : ٢٣] فلا يقبل وعظاً ﴿ وَقَلْبِهِ ﴾ فلا يعتقد حقاً ﴿ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾ [الجاثية : ٢٣] فلا يبصر عبرة، ﴿ غِشَاوَةً ﴾ حمزة وعلي ﴿ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ﴾ [الجاثية : ٢٣] من بعد إضلال الله إياه ﴿ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾ [يونس : ٣] بالتخفيف : حمزة وعلي وحفص، وغيرهم بالتشديد.
فأصل الشر متابعة الهوى والخير كله في مخالفته فنعم ما قال :
إذا طلبتك النفس يوماً بشهوة
وكان إليها للخلاف طريق
فدعها وخالف ما هويت فإنما
هواك عدو والخلاف صديق