﴿ وَقَالُوا مَا هِىَ ﴾ [الجاثية : ٢٤] أي ما الحياة لأنهم وعدوا حياة ثانية ﴿ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾ [المؤمنون : ٣٧] التي نحن فيها ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [المؤمنون : ٣٧] نموت نحن ونحيا ببقاء أولادنا، أو يموت بعض ويحيا بعض، أو نكون مواتاً نطفاً في الأصلاب ونحيا بعد ذلك، أو يصيبنا الأمران الموت والحياة يريدون الحياة في الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة.
وقيل : هذا كلام من يقول بالتناسخ أي يموت الرجل ثم تجعل روحه في موات فيحيا به ﴿ وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية : ٢٤] كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس
٢٠٢
وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بإذن الله، وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان، وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان ومنه قوله عليه السلام :" لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر ﴿ وَمَا لَهُم بِذَالِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية : ٢٤] وما يقولون ذلك من علم ويقين ولكن من ظن وتخمين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٨
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا ﴾ [يونس : ١٥] أي القرآن يعني ما فيه من ذكر البعث ﴿ بَيِّنَـاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ ﴾ [الجاثية : ٢٥] وسمى قولهم حجة وإن لم يكن حجة لأنه في زعمهم حجة ﴿ إِلا أَن قَالُوا ائْتُوا ﴾ أي أحيوهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٣
﴿ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] في دعوى البعث، و ﴿ حُجَّتَهُمْ ﴾ خبر " كان " واسمها ﴿ أَن قَالُوا ﴾ [العنكبوت : ٢٩] والمعنى ما كان حجتهم إلا مقالتهم :﴿ ائْتُوا بِـاَابَآ ـاِنَآ ﴾ [الجاثية : ٢٥] وقرىء ﴿ حُجَّتَهُمْ ﴾ بالرفع على أنها اسم " كان " و ﴿ أَن قَالُوا ﴾ [العنكبوت : ٢٩] الخبر.
﴿ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ﴾ [الجاثية : ٢٦] في الدنيا ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ [الجاثية : ٢٦] فيها عند انتهاء أعماركم ﴿ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ ﴾ [الجاثية : ٢٦] أي يبعثكم يوم القيامة جميعاً ومن كان قادراً على ذلك كان قادراً على الإتيان بآبائكم ضرورة ﴿ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [الأنعام : ١٢] أي في الجمع ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٧] قدرة الله على البعث لإعراضهم عن التفكر في الدلائل ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَـاـاِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الجاثية : ٢٧] عامل النصب في ﴿ يَوْمِ الْقِيَـامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ ﴿ يَخْسَرُ ﴾ و ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ بدل من ﴿ يَوْمِ الْقِيَـامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ ﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾ [الجاثية : ٢٨] جالسة على الركب، يقال : جثا فلان يجثو إذا جلس على ركبتيه وقيل جاثية مجتمعة ﴿ كُلَّ أُمَّةٍ ﴾ [غافر : ٥] بالرفع على الابتداء ﴿ كُلَّ ﴾ بالفتح : يعقوب على الإبدال من ﴿ كُلَّ أُمَّةٍ ﴾ [غافر : ٥] ﴿ تُدْعَى إِلَى كِتَـابِهَا ﴾ [الجاثية : ٢٨] إلى صحائف أعمالها فاكتفى باسم الجنس فيقال لهم ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية : ٢٨] في الدنيا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٣
﴿ هَـاذَا كِتَـابُنَا ﴾ [الجاثية : ٢٩] أضيف الكتاب إليهم لملابسته إياهم لأن أعمالهم مثبتة
٢٠٣
فيه وإلى الله تعالى لأنه مالكه والآمر ملائكته أن يكتبوا فيه أعمال عباده ﴿ يَنطِقُ عَلَيْكُم ﴾ [الجاثية : ٢٩] يشهد عليكم بما عملتم ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ من غير زيادة ولا نقصان ﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية : ٢٩] أي نستكتب الملائكة أعمالكم.
وقيل : نسخت واستنسخت بمعنى وليس ذلك بنقل من كتاب بل معناه نثبت ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴾ [الروم : ١٥] جنته ﴿ ذَالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ [الجاثية : ٣٠].