﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُا إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآ ـاِهِمْ غَـافِلُونَ ﴾ أي أبداً ﴿ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَآءً ﴾ [الأحقاف : ٦] أي الأصنام لعبدتها ﴿ وَكَانُوا ﴾ أي الأصنام ﴿ بِعِبَادَتِهِمْ ﴾ بعبادة عبدتهم ﴿ كَـافِرِينَ ﴾ يقولون ما دعوناهم إلى عبادتنا.
ومعنى الاستفهام في ﴿ مَنْ أَضَلَّ ﴾ [الروم : ٢٩] إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالاً من عبدة الأوثان حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على كل شيء ويدعون من دونه جماداً لا يستجيب لهم ولا قدرة له على استجابة أحد منهم ما دامت الدنيا وإلى أن تقوم القيامة، وإذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا عليهم ضداً فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرة لا تتولاهم في الدنيا بالاستجابة، وفي الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم.
ولما أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم من الاستجابة والغفلة قيل " من " و " هم "، ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة، طريقه طريق التهكم بها وبعبدتها ونحوه قوله تعالى :﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ [فاطر : ١٤] (فاطر : ٤١).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٦
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا بَيِّنَـاتٍ ﴾ [يونس : ١٥] جمع بينة وهي الحجة والشاهد أو واضحات مبينات ﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ ﴾ [الأحقاف : ٧] المراد بالحق الآيات وبالذين كفروا المتلو عليهم فوضع الظاهران موضع الضميرين للتسجيل عليهم بالكفر وللمتلو بالحق ﴿ لَمَّا جَآءَهُمْ ﴾ [سبأ : ٤٣] أي بادهوه بالجحود ساعة أتاهم وأول ما سمعوه من غير إجالة فكر ولا إعادة نظر ﴿ هَـاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [النمل : ١٣] ظاهر أمره في البطلان لا شبهة فيه
٢٠٧
﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاـاهُ ﴾ [السجدة : ٣] إضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سحراً إلى ذكر قولهم إن محمداً عليه السلام افتراه أي اختلقه وأضافه إلى الله كذباً، والضمير للحق والمراد به الآيات ﴿ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِى مِنَ اللَّهِ شيئا ﴾ [الأحقاف : ٨] أي إن افتريته على سبيل الفرض عاجلني الله بعقوبة الافتراء عليه فلا تقدرون على كفه عن معاجلتي، ولا تطيقون دفع شيء من عقابه فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه؟.
﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ [الأحقاف : ٨] أي تندفعون فيه من القدح في وحي الله والطعن في آياته وتسميته سحراً تارة وفرية أخرى ﴿ كَفَى بِهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ﴾ [الأحقاف : ٨] يشهد لي بالصدق والبلاغ ويشهد عليكم بالجحود والإنكار، ومعنى ذكر العلم والشهادة وعيد بجزاء إفاضتهم ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس : ١٠٧] موعدة بالغفران والرحمة إن تابوا عن الكفر وآمنوا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٦
﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف : ٩] أي بديعاً كالخف بمعنى الخفيف، والمعنى إني لست بأول مرسل فتنكروا نبوّتي ﴿ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلا بِكُمْ ﴾ [الأحقاف : ٩] أي ما يفعل الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان.
وعن الكلبي قال له أصحابه وقد ضجروا من أذى المشركين : حتى متى تكون على هذا؟ فقال : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم، أأترك بمكة أم أو أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي ورأيتها يعني في منامه ذات نخيل وشجره و " ما " في ﴿ مَّا يَفْعَلُ ﴾ [النساء : ١٤٧] يجوز أن يكون موصولة منصوبة، وأن تكون استفهامية مرفوعة.
وإنما دخل " لا " في قوله ﴿ وَلا بِكُمْ ﴾ [الأحقاف : ٩] مع أن ب ﴿ فِعْلَ ﴾ مثبت غير منفي لتناول النفي في ﴿ وَمَآ أَدْرِى ﴾ " ما " وما في حيزه ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَآ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ ﴾ القرآن
٢٠٨