﴿ وَالَّذِى قَالَ لِوَالِدَيْهِ ﴾ [الأحقاف : ١٧] مبتدأ خبره ﴿ أؤلئك الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ [الأحقاف : ١٨] والمراد بالذي قال، الجنس القائل ذلك القول ولذلك وقع الخبر مجموعاً.
وعن الحسن : هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث.
وقيل : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه قبل إسلامه، ويشهد لبطلانه كتاب معاوية إلى مروان ليأمر الناس بالبيعة ليزيد فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : لقد جئتم بها هرقلية أتبايعون لأبنائكم؟ فقال مروان : يا أيها الناس هذا الذي قال الله تعالى فيه :﴿ وَالَّذِى قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ ﴾ [الأحقاف : ١٧].
فسمعت عائشة رضي الله عنها فغضبت وقالت : والله ما هو به ولو شئت أن أسميه لسميته، ولكن الله تعالى لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله أي قطعة ﴿ أُفٍّ لَّكُمَآ ﴾ [الأحقاف : ١٧] مدني وحفص، ﴿ أُفٍّ ﴾ مكي وشامي، ﴿ أُفٍّ ﴾ غيرهم وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر كما إذا قال " حس " علم أنه متوجع.
واللام للبيان أي هذا التأفيف لكما خاصة ولأجلكما دون غيركما.
﴿ أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ ﴾ [الأحقاف : ١٧] أن أبعث وأخرج من الأرض ﴿ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِى ﴾ [الأحقاف : ١٧] ولم يبعث منهم أحد ﴿ وَهُمَا ﴾ أبواه ﴿ يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ﴾ [الأحقاف : ١٧] يقولان الغياث بالله منك ومن قولك وهو استعظام لقوله ويقولان له ﴿ وَيْلَكَ ﴾ دعاء عليه بالثبور والمراد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك ﴿ ءَامَنَ ﴾ بالله وبالبعث ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ [غافر : ٧٧] بالبعث ﴿ حَقٍّ ﴾ صدق ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهما
٢١٢
﴿ مَا هَـاذَآ ﴾ [الأحقاف : ١٧] القول ﴿ إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ ﴾ [الأنعام : ٢٥].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٠
﴿ أؤلئك الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ [الأحقاف : ١٨] أي لأملأن جهنم ﴿ فِى أُمَمٍ ﴾ [الأعراف : ٣٨] في جملة أمم ﴿ قَدْ خَلَتْ ﴾ [غافر : ٨٥] قد مضت ﴿ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَـاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ ﴾ من الجنسين المذكورين الأبرار والفجار ﴿ دَرَجَـاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ﴾ [الأحقاف : ١٩] أي منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، أو من أجل ما عملوا منهما، وإنما قال ﴿ دَرَجَـاتٌ ﴾ وقد جاء " الجنة درجات والنار دركات " على وجه التغليب ﴿ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ [الأحقاف : ١٩] بالياء : مكي وبصري وعاصم ﴿ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٨١] أي وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم، قدّر جزاءهم على مقادير أعمالهم فجعل الثواب درجات والعقاب دركات فاللام متعلقة بمحذوف ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ﴾ [الأحقاف : ٢٠] عرضهم على النار تعذيبهم بها من قولهم : عرض بنو فلان على السيف إذا قتلوا به.
وقيل : المراد عرض النار عليهم من قولهم : عرضت الناقة على الحوض يريدون عرض الحوض عليها فقلبوا ﴿ أَذْهَبْتُمْ ﴾ أي يقال لهم أذهبتم وهو ناصب الظرف ﴿ طَيِّبَـاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾ [الأحقاف : ٢٠] أي ما كتب لكم حظ من الطيبات إلا ما قد أصبتموه في دنياكم وقد ذهبتم به وأخذتموه فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شيء منها.
وعن عمر رضي الله عنه : لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباساً ولكني أستبقي طيباتي ﴿ وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ﴾ [الأحقاف : ٢٠] بالطيبات ﴿ فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ﴾ [الأحقاف : ٢٠] أي الهوان وقرىء به ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأحقاف : ٢٠] تتكبرون ﴿ فِى الارْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف : ٢٠] أي باستكباركم وفسقكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٠
﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ ﴾ [الأحقاف : ٢١] أي هوداً ﴿ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالاحْقَافِ ﴾ [الأحقاف : ٢١] جمع حقف وهو
٢١٣


الصفحة التالية
Icon